الجميع يعترف بأن الحكومة التي أبصرت النور بعد تسعة أشهر من الكباش السياسي بأنها حكومة الفرصة الأخيرة، رئيسها قال ذلك علناً بعد نيلها ثقة المجلس النيابي، ورئيس الجمهورية المؤتمن على الدستور قال مثل هذا الكلام قبل وبعد نيلها الثقة، ورئيس مجلس النواب نبيه بري ومعظم النواب الذين ناقشوا بيانها الوزاري أقروا بهذا الأمر، وعلى هذا الاساس تنتقل الحكومة العتيدة من مرحلة المراوحة التي رافقت أزمة تأليفها إلى مرحلة الامتحان الصعب في ترجمة ما تعهدت به إلى حقيقة ملموسة تثبت للداخل قبل الخارج بأنها قولاً وعملاً، قادرة على اقتناص الفرص وإخراج البلد من كل الأزمات التي يُعاني منها سواء أكانت اقتصادية أم اجتماعية أم مالية وحتى أمنية، بحيث تثبت لكل من يعنيهم الأمر انها على مستوى المسؤولية التي انتدبت نفسها إليها وانها استفادت من الفرصة الأخيرة وحوّلتها إلى فرص متاحة لإنقاذ الشعب اللبناني من الحالة التي أوصلته إليها السياسات المعتمدة منذ قيام هذا العهد، وحتى قبل قيامه على مدى العقود التي أعقبت اتفاق الطائف وقيام الدولة، ولكن الشكوك التي تعتري الشعب اللبناني في قدرتها على القيام بمثل هذه المهمة الصعبة ما زالت  على حالها، ولم تغيرها الكلمات الرنانة التي سمعها مؤخراً على لسان المسؤولين، ولدى هذا الشعب من الأسباب ما يكفي لمثل هذا الخوف استناداً إلى تركيبة الحكومة نفسها والمبنية على التناقضات وانعدام الثقة بين أعضائها الذين من المفترض أن يشكلوا فريق عمل واحداً يعمل وفق خطة متكاملة تؤول في نهاية المطاف إلى تحقيق الإصلاحات البنيوية المطلوبة، وتحقق بالتالي النظرية التي تقول بأنها حكومة الفرصة الأخيرة، وهو خوف مشروع استناداً الى تجارب الماضي التي لم تثمر سوى إيصال البلد إلى حافة الهاوية، وتبخر كل الوعود التي أطلقتها الحكومات السابقة في الهواء من دون أن تثمر أفعالاً على الأرض.

حبذا لو كانت هذه الحكومة على مستوى التحديات الكبيرة والكثيرة التي تواجهها لسهل الأمر على أكثرية الشعب اللبناني واستعاد الثقة المفقودة بأولي أمره الذين يتربصون على كراسي الحكم منذ عدّة عقود ويطلقون في كل مرّة الوعود بإصلاح الحال وإنقاذ البلاد من التردي الذي هي فيه نتيجة سياساتهم العرجاء التي لا تقيم أي وزن لحقوق الناس وصالح الناس والتي لا تبني في أي حال من الأحوال الدولة العادلة والقادرة التي يحلم بها اللبنانيون، إلا أن التجارب السابقة، علمت هذا الشعب أن لا يثق بأي وعد يسمعه من الذين يتولون السلطة وكان يكتشف بأن العكس هو الصحيح.

ليس الهدف من هذا التحفظ على الوعود التي أطلقت بعد تشكيل الحكومة هو إحباط اللبنانيين بقدر ما هو صرخة في وجه هؤلاء المسؤولين ليكونوا صادقين فيما تعهدوا به، وان تنجح الحكومة في الاستجابة لمطالبه المحقة، ولا تكون الفرصة الأخيرة بل تكون الفرصة الذهبية للانقاذ واستعادة ثقة الشعب بحكامه والمسؤولين عن لقمة عيشه.