لو أن الحكومة بدأت من الضاحية وأزالت كل البوابات الحديدية وحواجز الاسمنت وفتحت الطرقات والزواريب المقفلة وانهت كل المظاهر المشابهة من على أبواب الوزراء أولاً والنواب
 

أقفلوا أسواق العربيات وساحات الارتزاق الشعبي ومستشفى الأمراض العصبية ووعدوا بإكمال الطوق على رقاب المخلين بالأمن ومسببي الفساد والفوضى من فقراء وموتى يبحثون عن لُقم عيشهم في القمامة أو في الطرقات استجابة لبؤس ينهش بهم منذ نعومة أظافرهم وقد ورثوه جيلاً عن جيل.

لا شك بأن للفقراء سهمًا صغيرًا في فوضى كبيرة وأن للمهمشين دورًا كبيرًا في تقاسم نفوذ الفوضى لتحصيل مؤن زائدة في عيش لا يأتيهم الاّ في إخلالهم ومشاركتهم في توسيع دوائر الأعمال غير القانونية وهم متسلطون على الشوارع والأرصفة والبناء المُهدّد بالسقوط على أراض من مشاعات الدولة والتي ولدت على فترات من أزمنة الحروب المتعددة والتي حظيت بتغطية مباركة من كبار المسؤولين كونها امتدادات طبيعية لنتائج الحرب الأهلية وما تبعها وتلاها من حروب مشابهة في القتل والدمار.

إقرأ أيضًا: اليهود يهربون من فلسطين

دائماً تبدأ الحكومة من حيث تكون الحلقة الأضعف وتصف الفساد في الأمكنة الممكنة وتنفخ عضلاتها ضدّ أناس بلا لحم ولا شحم وتبادر الى اغلاق الأشكاك والأكواخ ومن قصُرت يده وقلّة حيلته ولا ظهر له في بلد تحمى فيها "ظهور" الحيتان من تماسيح المال العام وهذا ديدن كل الحكومات التي تنفخ أوداجها على البسطاء والتي تسعى جاهدة الى تحصيل المال من خلال حزام الأمان والأطفائية وعلبة القطن والسبيرتو من بعض المواطنيين الذين لم يتحزبوا بعد وتدفعهم السلطة في ممارساتها الى ضرورة التحزّب لرفع الأذى عنهم.

مثلاً ماذا يضر الحكومة لو أنها بدأت من نفسها أولاً واعتبرت أن السادة الوزراء من الميسوريين ولا حاجة لهم للرواتب وهم من أهل التطوع المجاني لخدمة بلدهم الحبيب لبنان ؟ ولا يحق لهم توظيف أسرهم وأقاربهم ولا الانتفاع من مواقع المسؤولية كونهم أسرى الخدمة والمنفعة العامة لا الخاصة ويتم ضبط مصاريف الوزارات من استعمال الهاتف إلى الالتزامات إلى كل ما له علاقة بالمال خاصة وأن هناك وزراء من السادة النواب أي أنهم براتبين لا يحصل عليهما رئيس بلد منزوع الدسم.

وماذا يضر السادة النواب وخاصة أولئك الناشطين في موجات مواجهة الفساد بأصابعهم الناعمة لو أنهم بادروا إلى ترك الرواتب لخزينة الدولة ورفض ما تمنحهم إياه النيابة من امتيازات لصالح الشعب الذي حملهم على مناكب الأحزاب ؟ طبعاً إضافة إلى كل ما له صلة مالية بموقعي النيابة والوزارة.

 وماذا يضر المسؤولين لو أنهم تركوا الترف وعاشوا في بحبوحة مقبولة لتمرير أزمة اقتصادية فاتكة باللبنانيين؟

طبعاً أضغاث أحلام أو أنها كوابيس لا تقلق إلاّ صاحبها ولكن نحلم للحظة ونتأمل ماذا جرى؟ 

إقرأ أيضًا: ماذا تبقى من رفيق الحريري؟

بتقديري أن صغار الفاسدين والفوضاويين سيتخلون بأنفسهم عن عيوبهم ويتركون مهنة الكسب بسلطة الواقع لأن مشاهدة تقشف الوزير والنائب ستعلمهم احترام أنفسهم واحترام المال العام، والتجربة البشرية أكّدت ذلك فعندما يمشي الرئيس في الشوارع بين الناس كأحدهم  سيكون متساويا معهم في الحقوق والواجبات وسيعلمهم أن المواقع ليست لبناء الثروات وإنما لبناء المجتمعات.

تعالوا معاً لنشهد مثلاً لو أن الحكومة بدأت من الضاحية وأزالت كل البوابات الحديدية وحواجز الاسمنت وفتحت الطرقات والزواريب المقفلة وانهت كل المظاهر المشابهة من على أبواب الوزراء أولاً والنواب ومن تابعيهم من صغار المسؤولين في السلطة وقد ذكرنا الضاحية لأن معيار الأمن يبدأ من حيث الاتهام له وهذا لا يستثني أحداً على الاطلاق من مناطق وطوائف وأحزاب وتنظيمات ممثلة في الحكومة، ومن شخصيات تحاصر نفسها بغابات من الاسمنت ولا أحد يهدد أمنها أو سلامتها الشخصية ولكن موضة الاحترازات والتدبيرات الأمنية باتت غيرة  مستشرية بين المسؤوليين ودلالة على أهميتهم وإن كانوا غير مرصودين من أصدقاء أو مستهدفين من أعداء.