!الزواج المدني في لبنان... بين الرفض والقبول
 
تصدّر موضوع الزواج المدني، إهتمام الرأي العام اللّبناني والعربي، خلال الفترة المُنصرمة، بعد طرحه من جانب وزيرة الداخليّة ريّا الحسن، التي أبدت موافقتها وتأييدها له، إلّا أنّها قُبِلَت بمُعارضة من داخل المؤسّسات الدينيّة كافّة، ولا شكّ بذلك خصوصًا عندما تتداخل السياسة بالدين والعكس صحيح.

بدايًة، سنوضّح للرأي العام ماهو الزواج المدني، هو زواج يتمّ توثيقه، وتسجيله في المحكمة التي تُطبّق الدستور والقانون بين شخصين مُسجَليّن في السجلات المدنيّة لدى الدولة أو من المُقيمين فيها، ويُعدّ أساسه إلغاء الفروقات الدينيّة، والمذهبيّة بين طرفي الزواج، فلا يُمنع إرتباط أبناء الطائفة الإسلاميّة بالطائفة  المسيحيّة أوّ اليهوديّة أوّ العكس، ويتمّ تزويج الطرفين بحضور الشهود، وكاتب العَقد، ويتمتّع الثنائي على الفور بكامل حقوقه المدنيّة، الإجتماعيّة، السياسيّة، ولا يجوز لأحد مخالفة ذلك، لأنه يُعتبر مُخالفة لقانون الدولة التي سمحت هذا النوع من الزواج.

على عكس الزواج الديني، الذي يُعرّف على أنّه الزواج الذي يُعقدُ وفق الشرائع الدينيّة المنصوص عليها في الكتب السماويّة أيّ وفق كلّ ديانة ويتمّ عقده بحضور رجال الدين.

وفي هذا السياق، أجرى موقع "لبنان الجديد"، مقابلةً مع فضيلة الشيخ يوسف  علي سبيتي، من مكتب المرجع الديني السيّد محمد حسين فضل الله، وقال:" هناك خطأٌ شائعٌ بوضع الزواج المدني مقابل الزواج الديني، ففي الإسلام ليس هناك زواجًا دينيًّا أو زوجًا مدنيًّا، ففي الإسلام الزواج هو زواج مدني وهو عبارة عن عقد بين طرفين مثله مثل أيّ عقد من العقود".

وتابع:" الزواج تواجد قبل الدين الإسلامي والإسلام وضع بعض الشروط  لذلك أنا كرجل دين لا أوافق على الزواج المدني كما هو، فهناك بعض البنود التي لا أوافقُ عليها وتخالف الشريعة".

وعلّل رأيه بالقول:"هناك موضوع الطلاق، ففي الشريعة الإسلاميّة هناك شروط معيّنة للطلاق يجب أن تكون مُتحققة على عكس الزواج المدني، أمّا موضوع الميراث ففي الزواج المدني الميراث هو بالتساوي، هناك تساوي بالميراث عند الإسلام لكنّ لا يُعتبر قاعدة عامّة فهناك تفاصيل عديدة، أمّا من ناحية موضوع العدّة (وفاة- طلاق) فهنالك مدّة معيّنة لـِ عدّة الطلاق و مدّة معيّنة لِـ عدّة الوفاة  ولا يُمكنُنا تجاوزهم".

وعن رفضه للزواج المدني، أجاب سبيتي:" نحن ضدّ الزواج المدني بالشكل الذي تمّ طرحه حاليًا خصوصًا و أنّ الزواج المدني تمّ العمل عليه منذ عهد الرئيس الراحل الياس الهرواي والشهيد رفيق الحريري".

وعن طرحه من جانب وزيرة الداخليّة ريّا الحسن ، ردّ:"هي وزيرة و تملك مشروعًا معينًا وهي رأت أنّ من جملة مهامها أن تطرح موضوع الزواج المدني وهي ستقوم بمراجعة له مع المراجع الروحيّة ".

من جانبٍ آخر، إتصلنا بالأب إيلي صادر، للوقوف عند رأي الطائفة المسيحيّة حيال الزواج المدني وقال:" نحنُ لا نجبرُ أحدًا على الزواج في الكنيسة، فكلّ شخص يتزوج كنسيًّا هو شخص مؤمن ومتعلّق بالمذهب المسيحي و بالمسيح عليه السلام، ونحنُ طبعًا نؤيّد ونُفضّل الزواج الكنسي إلّا أنّنا لا نفرضه على أحد".

وأردف:" أبناء الطائفة المسيحيّة في أوروبا أغلبهم يتزوجون مدنيًّا والذين يملكون تعلّقًا بديانتهم المسيحيّة يعقدون بعد الزواج المدني الزواج الكنسي لأخذ بركة الكنيسة".

وأصدر المكتب الإعلامي في دار الفتوى بيانًا لتوضيح موقف مفتي لبنان الشيخ عبد اللطيف دريان ودار الفتوى والمجلس الشرعي الإسلامي الأعلى من موضوع الزواج المدني في لبنان، وجاء فيه:" ان موقف المفتي دريان ودار الفتوى والمجلس الشرعي ومجلس المفتين هو معروف منذ سنوات في الرفض المطلق لمشروع الزواج المدني في لبنان ومعارضته "لأنه يخالف أحكام الشريعة الإسلامية السمحاء جملةً وتفصيلا من ألفه الى يائه ويخالف أيضا أحكام الدستور اللبناني في ما يتعلق بوجوب احترام الأحوال الشخصية المعمول به في المحاكم الدينية العائدة للبنانيين في المادة التاسعة منه وبالتالي لا يمكن إقراره في المجلس النيابي دون اخذ راي وموقف دار الفتوى وسائر المرجعيات الدينية في لبنان". 

وطلب المكتب الإعلامي الى عدم الخوض والقيل والقال في موضوع الزواج المدني الذي هو من إختصاص دار الفتوى في الجمهوريّة اللبنانيّة.

عدٌد لافتٌ من روّاد مواقع التواصل الإجتماعي أيّد فكرة الزواج المدني وقسم آخر عبّر عن رفضه للأمر رفضاً قاطعاً.

وأيّد رئيس الحزب التقدّمي الإشتراكي اللبنانيّ، وليد جنبلاط ، الزواج المدني الإختياري بالكامل، مُشيرًا إلى ضرورة الكف عن إستخدام الدين للتفرقة بين الناس.

الإعلاميّة في قناة الـmtv نوال بري، أعلنت عن تأييدها لإقرار الزواج المدني في لبنان، وغرّدت عبر حسابها على تويتر:"يا ريت السلطات الدينية ما بتدخل هالقد بالدولة وقراراتها، يلي بدو يتزوج بمؤسساتكن هو حر ويلي بدو يتزوج مدني ما دخلكن فيه، خلصنا بقى، نحن مش دولة دينية، وما خصكن بقرارات الناس ومعتقداتها".

وتابعت بري:"وأكيد اكيد نعم للزواج المدني ليلي بيكون هيدا خيارو، ونعم للزواج الديني كمان ليلي هيك بيقرر".
 

وفي هذا الشق، كتبت الفنانة إليسا تغريدةً جاء فيها:"أصبحنا في العام 2019 ولا يزال بعض تجّار الدين يكفروا كل من يتحدّث عن الزواج المدني، لكنّهم يقبلون به عندما يكون خارج لبنان". وتابعت إليسا: "الدولة المدنية لا تحتاج إلى إذن من أحد، والله يقويكي ريا الحسن".

يُذكر أنّ موقف إليسا من الزواج المدني ليس الأول، فقد سبق أن اعتبرت أنّا "الزواج المدني لا يحفظ حقوق المرأة وحسب بل لأنه يظهر للعالم الصورة الحقيقية للشعب اللبناني، ولأنه يشجّع سياسيينا على عدم الاختباء وراء أصابعهم، ولأنّه يغني التنوّع في بلدنا الذي نحبّ".

وكانت الوزيرة ريّا الحسن أوّل من فتح الباب للنقاش، عندما صرّحت في مقابلة لها مع "يورونيوز"، أنّها تحبّذ شخصياً أن يكون هناك إطار للزواج المدني"، معتبرةً: "هذا الأمر سأتحدث فيه وسأسعى لفتح الباب لحوار جدي وعميق حول هذه المسألة مع كل المرجعيات الدينية وغيرها، وبدعم من رئيس الحكومة سعد الحريري حتى يصبح هناك اعتراف بالزواج المدني". 

وأعطت الحسن الأمل بأن يكون اقرار الزواج المدني ممكناً، لكن التشكيك به، استند الى حيثيات رجال الدين وموقفهم المسبق الذي يلقى دعماً الكترونياً أيضاً، يتم التعبير عنه بالقول ان اليونان وقبرص وتركيا، دول قريبة، ويمكن لمن يريد أن يتزوج مدنياً فيها قبل أن يعود الى لبنان.

وبطبيعة الحال، الزواج المدني لا يُمكن فصله عن الشأن العام، لكنّ أيضاً، لا يُمكن تجاهل الشأن الخاص عند نقاشه. 

عموم المطالبين بإقرار قانون مدني يشكون من التهميش والإلغاء وعدم إقامة أيّ إعتبار لقناعاتهم الشخصيّة ومعتقداتهم، من جانب القوانين الطائفيّة التي تتجاهلهم وتفرض عليهم تشريعاتها في قضاياهم  الخاصّة.