ان الحشد الدولي خلف الولايات المتحدة في مواجهتها مع ايران، لن يعطي لإسرائيل تفويضا باستباحة القضية الفلسطينية كما يعتقد البعض، رغم اختلال التوازن الإقليمي العسكري
 

انتهت قمة وارسو لتبدأ مرحلة جديدة من التصعيد في المنطقة، عنوانها مواجهة إيران كشرط للاستقرار كما أعلن نائب الرئيس الأميركي مايك بنس، الذي اعتبر ان إيران تمثل أكبر تهديد للسلام والأمن في الشرق الأوسط، وطلب بنس خلال مؤتمر وارسو حول السلام والأمن في الشرق الأوسط، من الأوروبيين الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، محذراً من مزيد من العقوبات الأميركية على طهران. 

بنهاية أعمال مؤتمر وارسو بات واضحاً للعيان أن هناك إرادة دولية بمقدمة أميركية لمحاولة تغيير ملامح ومعالم بعض مما لصق بالشرق الأوسط والخليج العربي طوال العقود الأربعة المنصرمة، لا سيما تلك التي أعقبت الثورة الإيرانية عام 1979.

 أربعة عقود أضحت فيها إيران فاعل الشر المجاني الأول وقائداً للإرهاب العالمي بحسب العديد من التقارير الاستخباراتية الغربية والشرقية على حد سواء، حين يتحدث وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في نهاية أعمال وارسو عن الدعوة إلى اتفاقية عالمية لمواجهة التهديدات الإيرانية، فإن ذلك يعني أن شيئاً حقيقياً يتحرك على الأرض لوضع نهاية لرؤى طهران، وملاليها ، وأن مؤتمر وارسو لم يكن مجرد لقاء دعائي أو بروباغندا إعلامية، وأنما فعلا حاسما وحازما على حد سواء ينبغي تفعيله على الأرض لمنع إيران من التمادي.

 قبل مؤتمر وارسو بقليل أفرجت الولايات المتحدة عن بعض المعلومات الاستخباراتية المصنفة سرية للغاية، التي أثبتت من خلالها أن مواجهتها لإيران في زمن دونالد ترامب، مواجهة غير مسبوقة، وأن هناك في الداخل الأميركي رغم تغير الإدارات من كان لا يثق بطهران أبدا، حتى وإن أدخل باراك أوباما الإيرانيين حظيرة الخراف الصالحة باتفاقية كانت تستوجب الإلغاء بالفعل.

إقرا أيضا: هل سيكون لقاء وارسو توطئة لتمرير صفقة القرن؟!


  يلفت النظر في مؤتمر وارسو أن مواجهة أو مجابهة لإيران لم تعد أميركية حصرياً، فقد انكشفت أكاذيب حكام طهران في عيون العالم، ولهذا فإنها المرة الأولى التي تجتمع فيها وفود نحو سبعين دولة من قارات الأرض الست على كلمة وقرار واحد لوصم إيران بالإرهاب، ولتضييق الخناق عليها، فإما أن ترتدع، وهذا أمر غالباً غير مرجح، وإما فالأسوأ بالنسبة لها لم يأت بعد، وأنه إذا كانت قد تمت إدانتها في وارسو اليوم، فإن المقادير ربما تجري بما هو أوسع وأكثر انتشاراً على الرقعة الدولية والأممية في القريب العاجل. 

أحد المشاهد اللافتة للنظر في بولندا، كان ذاك المتصل بتحذيرات الوزير بومبيو للأوروبيين بشأن الخطر القادم والداهم من قبل إيران، التي لن يتوقف إرهابها عند حدود الشرق الأوسط، بل سيتجه إليهم وإلى بقية دول الغرب دون تمييز. يمكن اعتبار مؤتمر وارسو انعطافة استراتيجية عالمية في مواجهة إيران لا زيف فيها ، وهو الأمر الذي أقلق إيران والذين يدورون في فلكها من أصحاب الرايات الفاقعة والأبواق الإعلامية الزاعقة التي ما فتئت تقدم كل ما هو مغلوط ومهيج، في ديماغوجية لم تعد خافية على الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج، وعبر خلط أوراق، والتدثر بثياب البطولة تجاه قضايا بعينها، وفي المقدمة منها القضية الفلسطينية وما يدور من حولها من تسريبات طوال العامين الماضيين. لم يكن هدف وارسو بالدرجة الأولى ولا الثانية وحتى الثالثة مناقشة القضية الفلسطينية ومآلاتها في الوقت الحاضر، وعليه فإن ترويج بعض المناصرين لإيران، والكارهين للحضور العربي الفاعل في وارسو، أن القمة كان الهدف الرئيسي منها تصفية القضية الفلسطينية عبر توافقات تحتية على معالم وملامح صفقة القرن التي كثر الحديث عنها، محاولة فاشلة لتوجيه الأنظار بعيداً عما ستلاقيه تلك الدول التابعة وإيران من قبلها في القريب العاجل، حيث أن بروز الموقف السعودي الرافض للتطبيع مع إسرائيل قبل تحقيق السلام العادل، على أساس حل الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، والتمسك بمبادرة السلام العربي، سيما وان مؤتمر وارسوا قد تطرق في جانب منه حول الصراع العربي الإسرائيلي، ومشروع ترامب للسلام صفقة القرن. يخلط الأوراق مجددا ويضع نتائج مؤتمر وارسو امام تحدي الفصل في الملفات، وعدم تجاوز القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني.

 وان الحشد الدولي خلف الولايات المتحدة الأميركية في مواجهتها مع ايران، لن يعطي لإسرائيل تفويضا باستباحة القضية الفلسطينية كما يعتقد البعض، رغم اختلال التوازن الإقليمي العسكري بين دول الممانعة الداعمة للقضية الفلسطينية كما تدعي وبين إسرائيل، فإن التوازن القانوني والسياسي بين الحق الفلسطيني والعدوان الإسرائيلي، يرتكز الى قوة القانون والحق وليس قوة القوة، وهذا ما ينسحب أيضا على الأزمة السورية فإن الحل السياسي على قاعدة مؤتمر جنيف والقرارات الدولية المرتبطة بها، تبقى المعيار الأساس لخروج سوريا من ازمتها بعيدا عن مقررات آستانة والدول الراعية لاتفاقاتها، مهما اختلت او تبدلت موازين القوى العسكرية.

 وما خلص اليه مؤتمر وارسو  يتلخص في ما قاله وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بأنه دعوة إلى اتفاقية عالمية لمواجهة تهديدات إيران، وهذه الاتفاقية العالمية تحتاجها الولايات المتحدة الأميركية ليس للضغط على ايران سياسيا واقتصاديا فحسب بل هي تمهيد لتشكيل قوة عسكرية دولية من خارج مجلس الامن الدولي وتهديد ايران بعمل عسكري قد تضطر الى تنفيذه، على غرار التحالف الدولي الذي شكل حاضنة دولية للحرب على العراق، والذي ستعارضه روسيا في مجلس الامن وتتغاضى عنه ميدانياً.

الخلاصة... قمة وارسو تعني أن بدايات خفوت وهج المد الإيراني على الأبواب.