لماذا يُعدُّ الكهنة والشيوخ واللصوص خدمُ الله، لماذا هؤلاء هم أقدسُ من الفقراء والفلاحين، هؤلاء الذين يغتصبون أموالهم بإسمك يا رب.
 

جلستُ مُطرِقاً، وكل شيء في داخلي وكياني مُطرَقاً، حاولتُ الهروب ولكن لا ملجأ لي، يا للحيرة والخيبة، شعرتُ بشيءٍ يرتبُ على أنفاسي وصدري حتى شعرتُ بثقله وبرودته، هنا أمسكت بيراعي لأظهر ما يختلج في قلبي من همٍ وغمٍ وألمٍ وخوفٍ ومرض، ووضعت الكاغد على المنضدة، وكززتُ على أسناني حتى سمعت صريرهم وهم يطبقون على بعضهم البعض، كمن يريد كبح جموح النفس ويضع لجاماً على حيوانيتها وشيطنتها، وأنا متَّقدٌ مثل جمرات الموقد، وعلى صفَّارة أبريقها ترسل سخونتها في فضاء الغرفة ولا أحد بجانبي يجانبني ويردعني عن تجارة الأحلام التي هي من أربح التجارات مع الله والناس، ولكن أكثرها خسَّة، فأمسكتُ بلحيتي ورحت أهزها هزاً، لعلَّ النفس تنتبه لغفلتها من سكرتها، وكما أنه لكل شيءٍ سكرة، وسكرة المال بعيدةُ الإفاقة، هززتها مرَّةً أخرى، فشعرتُ كأنها لسان جرس، فولولت وهربت وصرخت، فخفتُ منها حتى لا أُوقظ أطفال الله في الحي، فقتلها الصمت، حتى بدأت بالجنون، مناديةً يا رب، يا خالقي، لماذا تسمح لهوام الأرض أن تلعب بإنسانك الذي خلقته على صورتك، أعطيتها لساناً طوله ثلاث عُقد، تقتلُ إنساناً طوله أمتاراً، ألا يلعب هؤلاء بكرامات خلقك وإتهامهم وكأنك يا إلهي فوَّضتهم رسمياً للنطق عنك، أولئك الذين لا شريعة لهم تردعهم ولا ضابطة تكفيهم، ألا يدوسها هؤلاء بسلطتهم في سكراتهم التي لا حدود لها، ويبثون أوساخهم في عقول ما خلقت، ومعظم هذا الخلق عقولهم في آذانهم... 

إقرا أيضا: وزير السخافة

من هي هذه النفس..؟ أهي حارسة لك.. هنا أتذكَّر نظام الكهنوت الذي بنوه من أجلك، وجعلوا عليه حرَّاساً يعبثون في الناس من أجل أن يتربعوا على أكتاف الضعفاء والفلاحين، لماذا يُعدُّ الكهنة والشيوخ واللصوص خدمُ الله، لماذا هؤلاء هم أقدسُ من الفقراء والفلاحين، هؤلاء الذين يغتصبون أموالهم بإسمك يا رب، ليسيجوا أبراجهم ومسابحهم من زينة المال والنساء، هم بعيدون عنك، يكذبون، وأكثرهم أهل بدع وخيانة ويغتابون بعضهم بعضاً، يتشاجرون ويكذبون عليك وعلى أنفسهم وعلى بعضهم البعض وعلى البشر، ويقترفون الذنوب، ويتعدون الحدود... وحدود ما حرَّمت، إنهم جشعون شريرون في شهواتهم وخلواتهم، يصطادون فقراء خلقك، ويعشقون المحصنات، قبِّحهم يا رب وحاسبهم..؟؟ ينعقون نعقاً، كالغربان في مقبرة، هم متخمون وموظفون، وهمهم البطون والفروج ، فيما خلقك الضعيف محتاج ومديون، وبعضهم يموت جوعاً ومرضاً، تعاليت يا رب علوَّاً كبيراً وأنت أرحم الراحمين..