تشاء المصادفة بل المفارقة الحاملة دلالات معبرة للغاية ان يتزامن زمن ولادة الحكومة الثالثة للرئيس سعد الحريري منذ انضمامه عقب استشهاد والده الرئيس رفيق الحريري الى نادي رؤساء الحكومات في لبنان مع الذكرى الرابعة عشرة لاغتيال رفيق الحريري في 14 شباط 2005 الذي بات في التاريخ الدموي اللبناني يوازي هجمات 11 أيلول 2001 في الولايات المتحدة. ربما لا يكون لهذا التزامن أي دلالات بالنسبة الى فئات سياسية كثيرة وسط المتغيرات الكبيرة التي تعاقبت على لبنان منذ 14 عاما والتي قلما وفرت اي جانب من جوانب الواقع السياسي والاجتماعي في لبنان. وعلى رغم ذلك فان العامل الثابت الذي يشكل جسر المفارقات والمقارنات والذي لا يتبدل بتبدل الظروف القاهرة والقسرية او الطبيعية سواء بسواء هو مصير النظام الدستوري ومسار البلاد في ظل اتفاق الطائف، علما ان نظرة سريعة خاطفة على تسلسل الأحداث الهائلة منذاك تكشف ان التوجس حيال النظام والطائف وحده بقي وسيبقى عاملا لا يتبدل ما دامت الاخطار الحقيقية تحيق بمشروع الدولة وتحاصره وتمنع اكتماله. ولذا لم يكن غريبا اطلاقا ان تتحول أزمة تأليف الحكومة الحريرية الحالية التي ولدت عشية مناخ ذكرى 14 شباط والتي تمادت أكثر من ثمانية اشهر اثباتا اضافيا ضمن إثباتات التجارب والازمات الدستورية والسياسية على التعقيدات المتراكمة والألغام المتكاثرة في طريق النظام الدستوري المزروعة بافخاخ الشهيات الانقلابية المتحكمة بطبائع افرقاء عديدين تجمعهم محاور اقليمية معروفة باتت تمتلك الاكثرية النيابية والسياسية الراهنة في لبنان. ولعل اكثر ما شكل التعبير الحسي المباشر على ارتباط ازمة تشكيل الحكومة الحالية بعمليات التلاعب المنهجية بالنظام هو ان هذه الازمة جاءت لتعيد كل طقوس الضغط القسري على النظام الدستوري وانتظام الحياة العامة كما لو كانت نسخة منقحة عن ازمة الفراغ الرئاسي التي تمادت سنتين ونصف سنة قبل ان تضع حدا لها التسوية التي افضت الى انتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية. واكثر ما أضفى بعدا غرائبيا على الازمة الحكومية الاخيرة انها استبقت بشعارات سرعان ما ترجمت في سياسات تدلل على جدية مطلقيها وهي ان الحكومة الحالية لا السابقة تشكل الحكومة الاولى للعهد ربطا بكونها الحكومة الاولى بعد الانتخابات النيابية الاولى التي اجريت في العهد العوني في ايار 2018. لذا وجب التساؤل والحال هذه هل فعلا بدأ العهد العوني مع الحكومة الحالية وماذا يعني محو اكثر من سنتين من ولاية الحكومة الحريرية الاولى في هذا العهد؟

الحال انه يحق للفريق العوني التباهي بمكسب ثابت لا يحتمل الجدل والاجتهاد والالتباس في حصوله على حصة وزارية تناهز الثلث المعطل اي 11 وزيرا لان اللعبة السياسية عززت أوراق العهد ومكنته في النهاية من تحقيق هذا الهدف. ومع ذلك سيكون من الخفة بمكان القول ان العهد بدأ وانطلق الآن لان ذلك لا يستوي لا دستوريا ولا واقعيا مع اكثر من سنتين من عمر العهد شهد البلد فيهما أزمات قياسية متعاقبة كادت تذهب به الى انهيارات مخيفة اخطرها الانهيار المالي الذي فرملته ولم تلغ خطره بعد ولادة الحكومة. ربما لا يستوي موضوعيا تحميل العهد تبعة كل الازمات التي حصلت نظرا الى تراكمات قديمة وحديثة لا تدخل ضمن مسؤوليته مع فريقه ولكن عشرة اعوام على الاقل اولا من مشاركة الفريق العوني في الحكومات تجعله شريكا كاملا عن جزء اساسي من هذه التراكمات ومن ثم اكثر من سنتين من ولاية الرئيس عون وامساكه بناصية الحكم تجعل مسح المسؤوليات من خانته امرا مستحيلا. واذا كان بعض خصوم العهد يتخوفون من ان تؤدي السطوة الكبيرة للعهد وحلفائه في محور 8 آذار الذي يقوده “حزب الله” في نهاية المطاف الى تسريع عملية تجويف الطائف وتحويره تباعا نحو مجموعة سياسات وأعراف وقواعد تشكل في مجموعها انقلابا ناجزا يوما ما ليس ببعيد على الدستور والطائف، فان هذه الهواجس لا تجد واقعيا ميزان قوى يحولها الى مقاومة دفاعية عن الدستور في ظل تفكك جبهة القوى المسماة سيادية من جهة، كما في ظل التحالف المتين بين رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية والرجل القوي في العهد جبران باسيل. قطعا لم يبدأ عهد ميشال عون مع ولادة الحكومة الحالية، بل بدأ قبل انتخابه حتى من اللحظة التي استولدت التسوية السياسية التي وافق عبرها اركان أساسيون في قوى 14 آذار على انهاء الفراغ الرئاسي بثمن كبير هو انتخاب الرئيس عون. اما بمعنى ان يكون العهد بدأ الان لتحقيق انجازات وما شابه ذلك، فدرب الشكوك مزروعة بكثافة هائلة امامه، ولم تكن الايام القليلة التي اعقبت ولادة الحكومة الا لتمعن في هذه الشكوك حيال العهد وحيال الحكومة سواء بسواء. ولا تزال الطريق من هذه الزاوية بالذات في بداياتها، علما ان الرسالة تقرأ من عنوانها!