أثبتت التطورات اليومية انّ محاولات إعادة سوريا الى جامعة الدول العربية ومؤسساتها باتت أبعد ممّا يتصوره أحد، فالتقارير الديبلوماسية التي جمعت من معظم العواصم العربية والغربية تشير الى أنّ هذه العودة لم تعد مطلباً إلّا لمجموعة محدودة من هذه الدول تفيض عن «نصف اللبنانيين» ولا يقترب عددها من عدد أصابع اليد. فما الذي يثبت هذه الوقائع ومعناها؟
 

تفيد تقارير ديبلوماسية واردة من عواصم عربية وغربية انّ المساعي التي بذلتها عواصم عربية وأفريقية في شان إعادة سوريا الى الجامعة العربية والهيئات التابعة لها قد جُمّدت الى أمد غير محدد، وتحدثت عن كثير من التفاصيل التي ساهمت في فرملة هذه المساعي التي بذلت على مستويات عدة. وعدّد معظم هذه التقارير بعض المؤشرات السلبية التي رُصِدت في الأسابيع القليلة المنصرمة، ومنها:

- تراجع الدعوات الى إحياء التمثيل الديبلوماسي بين بعض العواصم العربية والخليجية عقب القمة العربية التنموية الإقتصادية والإجتماعية التي انعقدت في بيروت الشهر المنصرم، وسجّلت ادنى تمثيل على مستوى القادة العرب. وسبقها ورافقها أعمال شغب طاولت بعض الدول ورموزها، ودعوات الى تمثيل سوريا فيها بعيداً من الإجماع العربي الذي أقصاها عن الجامعة منذ 8 سنوات.

- ما تركه القرار الأميركي بالإنسحاب من سوريا من سيناريوهات تحدثت عن احتمال تجدد العمليات العسكرية في كثير من المناطق التي تتمركز فيها القوات الأميركية، ولاسيما منها تلك المنتشرة في جنوب شرق سوريا وشمالها الشرقي على امتداد مسافات من الحدود العراقية.

عدا عن الاستعدادات العسكرية التي تزامنت مع التهديد بالانسحاب وتداعياته على العلاقات بين أطراف الحلفين الكبيرين اللذين تقودهما واشنطن وموسكو في آن. فقد اهتزّ معظمها قبل ان يثبت انه لا موعد محدداً للخطوة الأميركية ولا إمكانية لحسم هوية القوى التي يمكن ان تملأ الفراغ المحتمل سلمياً.

- فشل كل المساعي التي بذلت لإطلاق العملية السياسية في سوريا والانتقال من المسار العسكري، وفق القرارات الصادرة عن مؤتمرات جنيف وأستانة وسوتشي وغيرها.

- فشل المساعي الأممية التي سعت الى توافق روسي - أميركي على الآلية التي طلبتها الأمم المتحدة لتشكيل اللجنة الدستورية المشتركة بين أنصار النظام ومعارضيه لوضع الدستور السوري الجديد، تمهيداً لتحديد شكل وهوية السلطة الجديدة التي يمكن ان تقود العملية السلمية التزاماً بالقرارات الدولية.

- تزايد احتمالات المواجهة الإسرائيلية ـ الإيرانية المباشرة على الأراضي السورية عقب الغارات الإسرائيلية التي استهدفت مواقع إيرانية في دمشق ومحيطها ومنصّات الصواريخ السورية المضادة للطائرات، والتي تزامنت مع إطلاق أول صاروخ إيراني أرض ـ أرض في اتجاه الأراضي المحتلة الذي شكّل تحولاً استراتيجياً غير مسبوق في المواجهة الإيرانية مع اسرائيل.

خصوصاً انّ هذا الصاروخ قاد الى الإنذار الروسي والدعوة الى وقف الغارات على الأراضي السورية مصحوبة بتعهد روسي ـ إيراني بإخلاء دمشق ومطارها المدني من القواعد الإيرانية في اتجاه الشمال وريف حمص، لمنع أي مواجهة بين تل أبيب وطهران.

وبعيداً من هذه الملاحظات والنماذج التي قدّمت ما يكفي من مؤشرات لفرملة مساعي تطبيع العلاقات مع دمشق، فقد زاد منها ما انتهت إليه أعمال اللقاء الوزاري التشاوري الذي استضافه الأردن في البحر الميت نهاية الشهر الفائت، وضَم وزراء خارجية كل من السعودية والكويت والبحرين والإمارات ومصر والأردن.

وأفادت تقارير ديبلوماسية انّ هذا اللقاء الذي ناقش الوضع في سوريا، دعا الى وقف كل الخطوات التي بدأتها بعض الدول الخليجية لإحياء تمثيلها الديبلوماسي معها بناء لاقتراح مشترك سعودي - مصري أعطى الأولوية لسلّة خطوات على الرئيس السوري بشار الأسد اتخاذها بدءاً بوَقف كل أشكال التعاون بين دمشق وطهران وتسهيل مهمة الأمم المتحدة لتوليد الدستور السوري، لِما تشكّله هذه الخطوة من أهمية تقود الى إعادة النظر بمستقبل النظام السوري كما تريده هذه المجموعة العربية، وخصوصاً لجهة مطالبتها بتركيبة قيادية جديدة لا تلحظ أي دور للأسد، وهو مطلب تلتقي حوله مع واشنطن وعواصم غربية أخرى ما زالت تسعى الى تغيير النظام.

ولم يكن لبنان ينتظر مزيداً من المؤشرات الى صعوبة إعادة سوريا الى الجامعة العربية، كذلك لم يكن ينتظر ما عَبّر عنه الأمين العام للجامعة عند شرحه المواقف العربية التي تشترط على الأسد الالتزام بها قبل تطبيع العلاقات معه.

وليس أقلّها الابتعاد عن المحور الإيراني قبل ان تعود المجموعة العربية الى دمشق، وهو ما عُدّ أمراً مستحيلاً في المرحلة الراهنة.

وتحدثت معلومات عن انه لم يعد يطالب بعودة سوريا الى الجامعة سوى دولتين فقط ومعهما «نصف اللبنانيين»، الأمر الذي سيؤدي الى إبعادها عن القمة الأورو - متوسطية أواخر الشهر الجاري، وعن القمة العربية الدورية نهاية آذار المقبل في تونس، ما لم تحصل أي مفاجآت.