تطلُّ ذكرى 14 شباط هذا العام وحكومةُ الوحدة الوطنية تمثلُ أمام البرلمان لنيل الثقة، في منطقة تعيش مخاضاً لم يُزهر ربيعُه حتى الآن.
 

14 شباط 2005، إنه الزلزال الكبير الذي قلب التوازنات والمعادلات في لبنان والمنطقة، حينها ثارث بيروت ونزل الملايين من كل لبنان يومَ 14 آذار الى ساحة الشهداء مطلقين شرارة ثورة الأرز التي أسّست للثوراتِ في بقية المنطقة.

الناظر الى الخريطة السياسية اللبنانية بعد 14 عاماً على استشهاد الرئيس رفيق الحريري وما تبعه من موجة إغتيالات طالت رموز ثورة الأرز، يرى أن لا شيءَ تغيّر، أو بالأحرى ثمّة أمور تبدّلت نحو الأسوأ، فالنظام السوري الذي خرج من الباب يحاول العودة من الشباك عبر حلفائه وهو يسدّد قنبلة النازحين في شباك اللبنانيين، وإنّ أحداً لا يعرف متى تنفجر.

السلاح غير الشرعي، سواءٌ في المخيمات أو بين أيدي «حزب الله» لم يُضبَط بعد، فلا استراتيجية دفاعية أو ما شابه، في حين يرتفع منسوبُ التدخّلات الخارجية من كلّ حدب وصوب وكأن لا سيادة ولا إستقلال.

أما المحكمة الدولية، فما زال اللبنانيون في انتظارها لجلاء الحقيقة ومحاكمة القتلة وتحقيق العدالة للمرة الأولى في تاريخ الإغتيالات السياسية في لبنان. قد تكون سنوات الإنتظار ثقيلةً لبلوغ مشروع الدولة برّ الأمان، في حين أنّ التجارب السابقة تشير الى أنّ وضعَ لبنان باقٍ كما هو، يعيش سنوات إستقرار وإزدهار من ثمّ تهبّ الرياح الإقليمية والدولية لتنشر الفتنة والخراب والدمار بأدوات داخلية.

يعتلي الرئيس سعد الحريري المنبرَ اليوم نجلاً للرئيس الشهيد وأحد أبرز رموز «14 آذار»، وأولى النكسات التي ستظهر في هذه الذكرى هي إقتصار الكلمة السياسية عليه، فيما كانت في السابق تشمل كل قيادات قوى «14 آذار»، غير أنّ رفاق الثورة تفرّقوا، والثورة أكلت أبناءها.

وسيركّز الحريري في كلمته على معاني الذكرى والإستشهاد والثمن الذي دُفع للوصول الى ما ما نحن عليه اليوم، كما أنّ التأكيد على ثوابت الرئيس الشهيد وكل شهداء الثورة سيكون أساسيّاً، وبالطبع التمسّك بالمحكمة الدولية.

في الشقّ السياسي، الأولوية هي للإنقاذ، في ظلّ وضع إقتصادي وإجتماعي لم يعد يحتمل المماطلة، فالحريري يتولّى مسؤوليةً صعبةً في هذا الظرف، وهذا يتطلّب تكافلَ وتضامنَ الجميع.

أما إقليمياً، فإنّ علاقات لبنان مع الدول العربية والغربية في سلّم الأولويات، ولكنّ «النأيَ بالنفس» سيكون أحدَ عناوين المرحلة المقبلة، إذ إنّ تجنيب لبنان نيران المنطقة هو الأساس.

وإذا كانت الخطوط العريضة لكلمة 14 شباط معروفة، فإنّ جمهورَ «14 آذار» ينظر الى وضع فريقه، ويرى أنّ تيار «المستقبل» يتراجع ولم يعد حضورُه مثلما كان عليه سابقاً، كما أنّ العلاقة بين مكوّنات هذا الفريق باتت شبهَ معدومة.

لم يعد هناك دورٌ للمستقلين في التركيبة الجديدة، وقد يكون هذا الأمر بسبب بعض السياسات الخاطئة أو بسبب التحوّلات السياسية الداخلية والخارجية، وربما أخطاء من بعضهم، في حين أنّ هناك قوى إنكفأت.

في المقابل، فإنّ بعض الأمل قد عاد عندما ظهرت في الأشهر السابقة نواةُ تحالف بين «المستقبل» و«القوات» و«الإشتراكي»، لكنّ هذا الأمر لم يدم طويلاً، خصوصاً بعد الصدام الأخير بين «المستقبل» ورئيس الحزب «التقدّمي الإشتراكي» وليد جنبلاط.

ويؤكّد «الإشتراكي» أنه في صلب «14 آذار» في العناوين الكبرى التي إستشهد من أجلها الحريري ورفاقُه وسائرُ الشهداء، فهو متمسّك بالحرية والسيادة والإستقلال، وأيضاً بالمحكمة الدولية وبناء الدولة وحصر السلاح بيدها، وبالعلاقات المميّزة بين لبنان والدول العربية، ورفض هيمنة النظام السوري مجدداً، أما في التكتيك فيحصل إختلافات لكن الأمور كلها قابلة للمعاجلة مع «المستقبل»، بينما الحلف مع «القوات» ثابت وأساسي.

وتعتبر «القوات» أنّ تحالفها مع «الإشتراكي» مهمّ لتثبيت المصالحة في الجبل ولحماية لبنان ممّا قد يتعرّض له من محاور خارجية تحاول النيلَ من سيادته وترفض تطويق جنبلاط أو عزله، فيما تستبعد عودة «14 آذار» بهيكليتها السابقة، أما الروحيّة فتبقى موجودة.

ولا شكّ أنّ التباعد بلغ الذروة بين حزب الكتائب وبقية مكوّنات «14 آذار» بعد التسوية الرئاسية، لكنّ الحزب الذي قدّم شهيدَين بعد 2005 هما الوزير بيار الجميل والنائب أنطوان غانم يؤكّد أنه في صلب مبادئ ثورة الأرز، ويدعو الى إجراء نقدٍ ذاتي لإنقاذ الدولة، وهذا الأمر يردّده حزبا «الوطنيين الأحرار» و«اليسار الديموقراطي» كذلك شخصيات أخرى.

لائحة كبيرة من الشهداء سقطت فيما فجر الدولة لم يبزغ بعد، وأحلام الشعب الذي نزل الى ساحة الشهداء لم تتحقّق، والعبارة التي قالها جنبلاط بعد الـ 2005 أنه «لا يوجد نصف ثورة» ما يزال مَن كان مؤتمناً على «14 آذار» يدفع ثمنها، لأنّ الثورة لم تُكمل طريقها بل دخلت في تسويات، والشهداء رحلوا فيما المحتل قد يعود وبقوّة.