هذه الزيارات التي شهدتها العاصمة بيروت في اللآونة الأخيرة يمكن وصفها بالسباق الدبلوماسي
 

شهدت العاصمة بيروت خلال هذه الفترة زحمة دبلوماسية، بدأت مع وصول وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، والأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط والمستشار في الديوان الملكي السعودي نزار العلولا، الذي سيصل الى لبنان في زيارة تهنئة ودعم ولتزامن هذه الزيارات التي يمكن وصفها بالسباق الدبلوماسي، حيث تحمل زيارة ظريف أبعاداً تتخطّى التهنئة بالحكومة إلى ما يشبه الرعاية لها تأتي زيارة ظريف بالتزامن مع تشكيل الحكومة اللبنانية والذكرى الأربعين لانتصار الثورة الإسلامية.

وفيما أن زيارة ظريف كانت مقررة أصلاً قبل ولادة الحكومة، وأن الهدف منها شرح موقف المحور الذي تقوده بلاده من الصراع مع الولايات المتحدة الأميركية، وابلاغ المسؤولين اللبنانيين بأن أي هجوم أميركي على المواقع الإيرانية سيرد عليه بعنف، فإن بعض المصادر لا تستبعد ان يتطرق المسؤول الإيراني إلى العرض الذي سبق أن قدمه قبل فترة الأمين العام لحزب الله، بمساعدة الجيش اللبناني بمنظومة دفاع جوي إيراني، والذي اثار بدوره خلافاً لم يتسن له ان يأخذ ضجة لاعتبارات تتصل بالعلاقة بين الحزب والتيار الوطني الحر بعد تسلمه حقيبة الدفاع بشخص الوزير الياس بو صعب الذي تجنّب التعليق على العرض رغم كونه المسؤول عن هذا الملف الا أن الرئيس السابق ميشال سليمان ورداً على السيّد نصر الله بأن إيران عرضت على لبنان تسليح الجيش في عهده، نفى ان يكون قد قدم له عرض جدي في هذا الشأن، مؤكداً انه إذا كانت إيران تريد تسليح الجيش، فحرّي بها ان تطلب من حزب الله إعطاء سلاحه إلى الجيش، فنحل بذلك المشكلة، ويكون في مقدور الجيش الرد على إسرائيل عندما تعتدي عليه. وتعتبر بعض المصادر، ان زيارة ظريف والتي تحمل الكثير من الدلالات السياسية، في ظل شد الحبال الإقليمي بين المحورين الأميركي والإيراني، جاءت بمثابة ردّ على جولة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في المنطقة، ومن ضمنها زيارة مساعده لشؤون الشرق الأوسط ديفيد هيل إلى بيروت، تختلف عن زيارة الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، التي تقتصر على تقديم التهاني بالحكومة الجديدة، وتسليم رئيس الجمهورية دعوة لحضور القمة الأورو المتوسطية، المقررة في شرم الشيخ، من دون أن تتطرق إلى الملف السوري بسبب الفرملة الأميركية والأوروبية والعربية لإعادة العلاقات مع سوريا إلى سابق عهدها.

إقرأ أيضًا: هل ستستطيع الحكومة تجاوز هواجس واشنطن؟

من جهة أخرى راى البعض أن وزير الخارجية الإيراني محمّد جواد ظريف جاء إلى بيروت في مهمة مرتبطة بالوضع الداخلي الإيراني وأوضحت في هذا المجال أن الهدف من إرسال ظريف إلى لبنان هو القول للمواطن الإيراني العادي إن بلاده ليست معزولة وإنّها تمتلك حلفاء إقليميين وأوراقًا تستطيع عبرها مقاومة العقوبات الأميركية والصمود في وجهها، وكشفت أن إيران تطلب من لبنان تنفيذ مطالب محددة تهدّد نظامه السياسي وهيكل اقتصاده، عبّر عنها الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله..

فيما يتوقع أن يكون الموفد العربي التالي، المستشار في الديوان الملكي السعودي، المتابع بعمق الوضع اللبناني، نزار العلولا، لإجراء محادثات مع كبار المسؤولين بدوره. وفي هذا السياق تقول مصادر وزارية إن الوعود السعودية بمساعدة لبنان اقتصاديًا من المؤكد أنها مختلفة عن الوعود الإيرانية.

فالرياض سبق أن أعلنت في مؤتمر سيدرعن تفعيل مبلغ بليون دولار أميركي لاستثماره في مشاريع منتجة للبنان وتذكر المصادر الوزارية أيضًا بالتصريحات التي سبق للسفير في بيروت وليد البخاري أدلى بها مؤكدا أن هناك أكثر من 20 مشروعا جاهزة للتوقيع عليها من أجل تنفيذها في لبنان، تنتظر تشكيل الحكومة. وهي أمور لا بد من أن تكون مدار بحث خلال زيارة العلولا.

إقرأ أيضًا: البيان الوزاري ...اسمع تفرح جرب تحزن

إن التوجه العربي بعدم ترك الساحة اللبنانية لطهران يتناول بطبيعة الحال الشق السياسي المتعلق بعلاقات لبنان الإقليمية المستقبلية، وبفرملة اندفاع حلفاء إيران والنظام السوري للانفتاح على الأخير، في انتظار قرار الجامعة العربية.

ويشير المصدر إلى أنه ينبغي النظر إلى زيارة أبو الغيط، ليس فقط من زاوية دور الجامعة بل يمكن وصفه بالعين المصرية على لبنان. ويدعو إلى الأخذ في الحسبان تأثير القاهرة التقليدي على الأمانة العامة للجامعة، في وقت بات المسؤولون المصريون أكثر تشددًا حيال سياسات طهران الإقليمية، ولا سيما في دمشق وبيروت. توحي الزيارتان والزيارة التي ستليهما لمستشار الديوان الملكي السعودي نزار العلولا أنّ أداء الحكومة اللبنانية وقدرتها على العمل سيكون رهن التجاذب الإقليمي الحاد، والتسويّات الدوليّة المنتظرة.

وإنّ الأولوية التي تعطيها الحكومة للملف الإقتصادي سترتبط إلى حدٍ بعيد بمدى قدرة لبنان على النأي بنفسه عن لعبة المحاور، إن إبتسامات الوزير ظريف لا يمكنها أن تخفي الوضع المأزوم لإيران في سوريا وأزمة الثقة مع روسيا، ولا يمكن لإيران أن تخسر في سوريا والمنطقة وتربح في لبنان، كما لا يمكن للبنان أن يبقى الساحة الوحيدة التي تتصرف فيها على أنها الرابح الأكبر في حين هي خاسرة في سوريا وفي العالم العربي وفي طهران، ولا يمكن لبعض السياسيين الطامحين أن يفرضوا على لبنان في سبيل ذلك أدواراً مستحيلة .

لم يعد خافيا على أحد، ان الحكومة الجديدة، أمام مرحلة بالغة الدقة والأهمية في جانب والخطورة في جانب آخر.. والرهان هو على وحدتها وتماسكها في مواجهة كل ما يثار من مطالب ومواقف، خارجية كانت أم داخلية، في مطلق الاحوال، وأياً ما آلت اليه الامور، فإن كلمة الفصل ستكون في مجلس النواب.. ليبنى على الشيء مقتضاه؟!