ليست مصادفة أن يصرّ رئيس المجلس النيابي نبيه بري على إعطاء جميع النواب الحق في الكلام، وأن تطول جلسات المناقشة لأيام، خلافاً لرغبة رئيسي الجمهورية ميشال عون والحكومة سعد الحريري بالاستعجال لبدء العمل في «حكومة إلى العمل»، فطلب الاستعجال واختصار النقاش سبق أن سجّل على طاولة الحكومة، وترك توجّساً لدى اكثر من طرف فيها من أنّ وراءه نية لسلق الملفات وتمريرها بالتي هي أحسن، على طريقة طلب سلفة لكهرباء لبنان التي اعترض عليها ولا يزال النائب السابق وليد جنبلاط.
 

خمسة قوى سياسية مشاركة في الحكومة، تنظر بنحو او بآخر الى علاقة عون بالحريري بتوجّس، وتضعها في خانة «الثنائية الإلغائية» التي تحاول إمرار أجندة ثنائية في إدارة الدولة.

أوّل هؤلاء الأطراف جنبلاط الذي صَعّد ضد الحريري ثم هادن وفق قاعدة استمرار المعارضة من داخل الحكومة، وذهب الى وصف لقاءات الحريري والوزير جبران باسيل في فرنسا بـ«لقاء باريس 2». علماً انّ جنبلاط يلمّح الى تفاهمات موسعة بين الحريري وباسيل، ومجموعة من المساعدين والمستشارين، حول إدارة مؤتمر «سيدر»، والتعيينات التي ستطرح في مجلس الوزراء، وقضية الخصخصة التي سيشارك فيها القطاع الخاص.

وفي المعلومات انّ وزراء «الحزب التقدمي الاشتراكي» سيترجمون رفض جنبلاط الخصخصة في مجلس الوزراء بمواقف تدقّق في كل ملف.

أما بالنسبة الى الثنائي الشيعي، فالواضح أنّ «حزب الله» انتسب الى موجة مكافحة الفساد، وما كلمة النائب حسن فضل الله أمس في مجلس النواب سوى عنوان لعمل وزرائه في الحكومة، علماً انّ الحزب سبق له أن عارض ملف بواخر الكهرباء في الحكومة السابقة، الى جانب قوى أخرى وكان ذلك لافتاً في ظل تحالفه مع «التيار الوطني الحر». وما ينطبق على الحزب ينطبق ايضاً على بري الذي لا ينظر الى العلاقة السائدة بين الحريري وباسيل نظرة ايجابية، علماً أنّ بري عارضَ ملف البواخر هو الآخر، وهو أكبر المتضررين من «الثنائي الجديد» خصوصاً باسيل الذي يسلك «خريطة طريق رئاسية» من خلال تحالفه مع الحريري و»حزب الله».

بدورها «القوات اللبنانية» لم تخف معالم سياستها في الحكومة، فهي إذ استاءت من محاولة تغييب النقاش على طاولة مجلس الوزراء فإنها ترى في هذه الخطوة محاولة لمصادرة قرارات الحكومة، تحت ستار التضامن الوزاري. ولم يكن ردّ رئيسها الدكتور سمير جعجع على سؤال في مقابلته التلفزيونية الاخيرة عن علاقة الحريري بباسيل سوى مؤشر الى التوجّس من ان تكون هذه العلاقة على حساب الدولة، والرد «البَين بَين» يعكس استعداداً لمواجهة أي تناغم بين الرجلين شبيه بالأداء في الحكومة السابقة، علماً أنّ ذاك التناغم قد ترجم في معظم الملفات في التعيينات والتلزيمات، وفي السياسة الخارجية ايضاً.

امّا الطرف الخامس المرشّح لأن يكون ضمن هذا التقاطع فهو تيار «المردة» الذي يرى في علاقة باسيل والحريري والتفاهم الثابت بينهما، مؤشراً الى مستقبل سياسي مشترك، عنوانه استمرار التسوية، بغضّ النظر عمّا قد يطرأ من تغييرات. وقد بَدا في الايام الماضية، بعد اشتباك باسيل مع الوزير يوسف فنيانوس، أنّ المواجهة على طاولة الحكومة آتية، وأنّ ما من مشروع سيمر من دون تدقيق وتمحيص، وأنّ وزير «المردة» سيكون حاضراً عند الضرورة الى جانب القوى الأخرى.

الى أي مدى سيترجم هذا التقاطع السياسي الظرفي، وما هي الملفات التي يمكن ان تتوقف عندها هذه القوى، أو التي يمكن أن توقفها؟

الواضح انّ طريق هذه الحكومة لن تكون مفروشة بالورود، وأنّ ألغاماً كثيرة تنتظرها، وانّ التضامن بين مكوّناتها سيكون معرّضاً للاختبار في كل جلسة لمجلس الوزراء.