فكرة تصدير الثورة إلى الخارج أنهكت الاقتصاد الإيراني وتهدد بانهياره
 

جاء في تقديرات داخلية في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أن هناك دلائل كثيرة وراسخة على أن الصراع القائم في مؤسسة الحكم الإيرانية، بين عناصر الحرس الثوري ومؤيديه في مجلس الرئاسة الروحية، وبين الرئاسة والحكومة والبرلمان، تتفاقم في الشهور الأخيرة بشكل حاد، وأنها تصل إلى درجة أن الرئاسة تتهم الحرس الثوري بالتخريب على الثورة.

وقالت مصادر مطلعة على التقارير الإسرائيلية الأمنية، التي أعدت بمناسبة مرور 40 سنة على الثورة الإيرانية، التي صادفت أمس (الاثنين)، إن هذا الصراع، الذي كان يدور في الماضي تحت سقف الرئاسة الروحية، دخل إلى مرحلة أعلى نتيجة للأثمان الباهظة التي تكلفها سياسة التيار المتشدد، فقد بات أنصار الرئاسة المدنية بقيادة الرئيس حسن روحاني ووزير الخارجية محمد ظريف يتهمون الطرف الثاني، الذي يرأسه محمد علي جعفري وقاسم سليماني، بالابتعاد عن الناس وهمومهم، ويعتبرون أن «أكبر خطر على الثورة الإيرانية اليوم لا يأتي من الخارج، بل من السياسة الخارجية لتيار تصدير الثورة».

ويتضح من هذه التقارير أن البرلمان الإيراني (المجلس) والحكومة ورئاسة الجمهورية، المسؤولين عن توفير احتياجات السكان لم يعودوا يخشون التعبير عن موقفهم من سياسات الحرس الثوري والتيار المتشدد. ويعبرون عنه بشكل قوي داخل المؤسسة الحاكمة. ويقولون صراحة إن كل ما تتعرض له إيران اليوم من عقوبات دولية بسبب هذا التيار. وهم يرون أن «الإمبريالية وحلفاءها سيئون ولكن المتشددين يوفرون لهم السلاح لضرب إيران وتهديد ثورتها». ويقولون إن فكرة تصدير الثورة إلى الخارج قد أنهكت الاقتصاد الإيراني وتهدد بانهياره. فهي تصرف 700 مليون دولار في السنة على «حزب الله». و50 مليوناً على كل من «حماس» و«الجهاد الإسلامي». وتصرف أكثر من مليار دولار في السنة على الحوثيين في اليمن. وأكثر من مليار دولار على الميليشيات الشيعية في العراق. وتصرف عدة مليارات في سوريا. وبسبب رد الفعل العالمي على هذه السياسة، تتقلص مداخيل المواطنين وتتفاقم البطالة وينتشر الفقر في صفوف المواطنين ويعاني الاقتصاد من تضخم مالي والعملة تعاني من انهيار القيمة، وهناك أمور حيوية لا تعالج مثل تلوث البيئة وتلوث 35 في المائة من كميات المياه. وكل هذا يتسبب في الإحباط واليأس وفقدان الأمل لدى الشباب فينفضون عن الثورة ومبادئها وينتظرون من يسقطها ويخلصهم منها. ومع ذلك فإن جعفري وسليماني لا يكترثان. والرئيس الروحي علي خامنئي يسايرهما ولا يجرؤ حتى هو على صدهما، دفاعاً عن الناس.

ويقف هؤلاء، حسب التقرير الإسرائيلي الأمني، ضد المشروع النووي الإيراني بشكل صريح ويقولون إنه فضلاً عن تكاليفه الباهظة، التي تتجاوز 8.4 مليار دولار، يعتبر سبباً أساسياً في العداء العالمي لإيران وفرض العقوبات الشديدة عليها. وقد وضعوا نص قانون عرضه الأوروبيون وتم تمريره في المجلس (البرلمان الإيراني) لتجميد هذا المشروع والخضوع للرقابة الدولية الجدية، في سبيل إلغاء العقوبات وإعادة الجمهورية إلى المجتمع الدولي والسماح لها ببيع النفط بلا قيود. لكن مجلس الرئاسة الروحية، بتأثير من جعفري وسليماني يمنعان ذلك. وهذا يتسبب في تفاقم الأزمة الاقتصادية وغضب الناس. وحسب تلك التقارير، فإن الهبة الشعبية التي انفجرت في إيران في نهاية عام 2017 وبداية عام 2018، ما زالت مستمرة. صحيح أنها لم تحافظ على زخم جماهيري. لكنها تنعكس في مظاهرات يومية، ويزداد فيها المتظاهرون شجاعة وإقداماً ويطرحون شعارات قوية ضد النظام ورموزه. وقد أدرك النظام أن قمعها سيفجر غضباً عالمياً ضده ينعكس في مزيد من العقوبات، لذلك يتعامل معها بمرونة ولا يقمعها بالطريقة القديمة، سنة 2009 عندما سقط قتلى خلال القمع.

وتشير تلك التقارير أيضاً إلى أن مؤسسة الحكم المدنية برئاسة روحاني لا تتذمر فحسب، بل تطالب بحل فوري لهذه المشكلة. وهي تقول إن التيار المعتدل في الثورة الإيرانية، الذي كان ينجح في الماضي في امتصاص الغضب الجماهيري ويحوله إلى أدوات عمل ونشاط وصبر، لم يعد قادراً على تهدئة الناس، بل إنهم باتوا ينفضون عنه ويتهمونه بالخضوع للمتشددين والشراكة في الجريمة. وهم يرون أن هذا التيار يشترك في لعبة تقاسم أدوار مع المشددين ولم يعد مخلصاً للناس، بل خيب أملهم بشكل كبير. ولذلك فإن الموضوع يحتاج إلى علاج جذري وفوري وقادر على المجيء بحلول مقنعة. ولا مفر في هذا من إحداث تغيير جوهري في مجمل السياسة الإيرانية، الداخلية والخارجية.