لم يكن تفصيلاً بسيطاً تلويح الوزير جبران باسيل قبل أيام بالنزول الى الشارع في وقت قريب. حدّد «100 يوم لقياس النجاح...وإلاّ الشارع». المهلة هي لفريقه السياسي وللحكومة معاً. «طالِب» رقص «التانغو» مع الجميع، من ضمن سياسة التفاهمات على الملفات، كرّس عرفاً جديداً في مسار الحكومات «السلطة تعترض... على السلطة»!
 

يَنتظر «جلسة الثقة» اليوم في مجلس النواب تحرّك شعبي يشكّل امتداداً لتحرّكات سابقة أبرزها في 20 كانون الثاني الماضي، وتمهيداً لتظاهرة مركزية في وسط بيروت الأحد المقبل.

لم يشفِ البيان الوزاري غليل الساعين الى تلمّس درب الخطة الإنقاذية لانتشال لبنان من «ورطته» المالية والاقتصادية والاجتماعية، خصوصاً أنّ الكلام الذي تردّد على لسان المرجعيات الكبرى عمّا ينتظر الداخل اللبناني من استحقاقات قد تكون مؤلمة، أثار «النقزة» أكثر.

منظمات حزبية ونقابية وسياسية ومدنية تستعد الى مزيد من التحرّكات في الشارع، خصوصاً أنّ المؤشرات غير مطمئنة إطلاقاً في ظل التلويح الدائم بـ«قرارات غير شعبية» ستتخذها الحكومة الحالية، تحت سقف دراسة «ماكينزي» ومقررات مؤتمر «سيدر»، تستهدف مباشرة ذوي الدخل المحدود والطبقة المتوسطة وما دون.

هذا مفهوم. لا حكومات بلا معارضة. والحكومة الحالية لديها أكثر من خصم، أولها «قوى الشارع» غير المقتنعة بأنّ وصفة الحلّ تكمن في سطور البيان الوزاري وليس من خلال الطبقة السياسية المتوارثة أباً عن جد، وثانيها القوى المتضررة من البقاء خارج هذه الحكومة.

لكن ما لن يكون مفهوماً هو نزول «السلطة» الى الشارع، مع العلم أنّ «مهلة السماح» التي أعلن عنها باسيل، هي ملزِمة ومحرِجة شعبياً وتفترض المحاسبة الفورية، وإن كان من المرجح «تمديدها» تحت عنوان الضرورات.

«قوى الشارع» تبدو مستعجلة ولن تنتظر مئة يوم لتُطلق أحكامها. في المقابل، هدّد باسيل بأنّ بعد انقضاء مهلة السماح... سيكون يوم آخر.

لم يعد إسم جبران باسيل يعني فقط إسم وزير الخارجية ونائب البترون ورئيس «التيار الوطني الحر»، ورئيس تكتل «لبنان القوي»، ومستشار رئيس الجمهورية الاول، ورئيس «لجنة الديبلوماسية والانتشار» في «التكتل»، ووزير الاتصالات والطاقة السابق.

في السياسة، هو أكثر من ذلك بكثير. هو «ظل» رأس الدولة، بمعنى رئاسة الجمهورية وكل المؤسسات الدائرة في فلكها السياسي. هو جزء من منظومة حاكمة، تلقّت جرعات منشّطة بفعل التسوية الرئاسية، بعد أن كرّست ولا تزال حضورها في معظم الوزارات والمؤسسات والمرافق العامة وصولاً الى الاجهزة القضائية والامنية. هو جزء من السلطة التنفيذية ونائب في البرلمان يُفترض، في هذه الحال، أن يُحاسِب نفسه. كيف؟ لا جواب، طالما قفز فوق مبدأ فصل النيابة عن الوزارة.

هو أحد رموز السلطة شاء أم أبى. وبهذا المعنى قد يكون صعباً جداً رؤيته في الشارع، وإن فعل، فعليه بالحد الأدنى، المطالبة باستقالة الحكومة التي تحتضن جميع راقصي «التانغو» معه. في ذلك، بالتأكيد، إعتراف بفشل حكومة العهد الأولى التي يُراهن عليها ميشال عون كثيراً لا بل يُرهِن نجاحه بنجاحها!

لكن، حسابات باسيل ليست كذلك. الإقرار بكونه جزءاً من السلطة أمر مسلّم به، لكن ليس أي سلطة. القريبون منه يجزمون أنّ «الملفات الأساسية المُفترض أن تشتغل عليها الحكومة هي الوضع الاقتصادي وملف النازحين والفساد، وثمة «شبه» تفاهمات مُسبقة حصلت في شأنها مع بعض القوى السياسية خصوصاً مع رئيس الحكومة، لكن المطلوب توسيع دائرة هذه التفاهمات للوصول الى حلول سريعة ومجدية، لأنّ الوضع لم يعد يتحّمل».

ويضيف هؤلاء، «قد يشكّل ما حصل مع «عصابة الضباط» (حسب تعبير باسيل) في قوى الأمن الداخلي، الذين يخضعون اليوم للمحاسبة أمام القضاء العدلي، مؤشراً الى ما يمكن أن يحصل في أكثر من ملف، خصوصاً ضمن إطار مكافحة الفساد، ولذلك للمرة الاولى قد نرى رؤوساً كبيرة داخل السجون».

ويتوقع باسيل، وفق هؤلاء، «حصول خلافات عميقة داخل مجلس الوزراء، مفترضاً أنّ من حاول منع ولادة الحكومة واستنزاف العهد بعرقلة التأليف، لن يتوانى عن عرقلة «الشغل» داخل الحكومة، ولذلك سنرفع ورقة الشارع في وجه أي فريق يمارس العرقلة المتعمّدة في موازاة عملنا في مجلس الوزراء».

ويذهب باسيل الى حدّ التأكيد «سنسمّي الفاسدين بأسمائهم حتى لو كلّفنا ذلك المواجهة المباشرة مع الحلفاء قبل الخصوم. صحيح أننا في السلطة، لكن لن نكون السلطة بل الفريق المعارض لكل وجوه العرقلة والفساد».