كبرت الثورة أربعين عاماً وكبرت معها سياسات التوسع في المنطقة على حساب الدولة والشعب فأي مستقبل لإيران بعد أربعينية الثورة؟
 

أولاً: الثورة الإيرانية وقيام دولة" الوليّ الفقيه"...

يحتفل ملالي إيران هذه الأيام بمرور أربعين عاماً على قيام الجمهورية الإسلامية إثر انهيار النظام الملكي، بعد ثورةٍ ظافرة شاركت فيها مختلف الأحزاب والتيارات الشعبية بكافة اتجاهاتها الوطنية واليسارية والليبرالية، جنباً إلى جنب مع رجال الدين والشعوب غير الفارسية من كُردٍ وعربٍ وبلوش وترك وتركمان.

كانت الانتفاضة الشعبية حاميةً في الشارع بين أجهزة النظام الملكي البهلوي والجماهير الغاضبة الثائرة، والتي كانت تحلم بإيران جديدة، تسودها العدالة الإجتماعية، ونهاية حكم الاستبداد والأجهزة البوليسية، كانت الجماهير تطالب برحيل الشاه، رمز النظام، وقد أجمعت مختلف الفصائل المشاركة في الثورة على هذا المطلب، إلاّ أنّها كانت تفتقد لرؤية واضحة عن شكل النظام الجديد الذي سيخلف النظام الملكي.

حتى العام 1960 ومع انتقاد الإمام الخميني للشاه وحكومته، إلاّ أنّه لم يتخلّ عن الملكية الدستورية، ولم يقترح بديلاً عنها، وكان ما يزال، رغم معارضة الحكومة، يُقيم فصلاً بين سُلطتي المرجعية الدينية والدولة، إلاّ أنّ هذا الأمر اختلف بعد نفيه خارج البلاد، إلى العراق أولاً وفرنسا تالياً، ويقول أبو الحسن بني صدر (أول رئيس للجمهورية الإسلامية بعد نجاح الثورة) أنّ روح الله الخميني كان يتحدث في باريس عن نظام جمهوري يشبه نظام "الجمهورية الفرنسية"، ثمّ ما لبث أن غيّر رأيه خمس مرات، فقد كان يرى (كما أكّد خليفته المعزول حسين علي منتظري) بأن لا ولاية لرجال الدين على الآخرين، ليتحدث بعد ذلك عن "ولاية الشعب" عندما كان لا يزال في فرنسا، وبعد عودته إلى إيران واستلامه زمام الأمور، انتهى به الأمر إلى صياغة الولاية المطلقة للفقيه.

إقرأ أيضًا: الدخيل: عون وكيل الأسد وإيران! حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا

ثانياً: الثورة التي أكلت أولادها...

اغتالت "الثورة الإيرانية" معظم أبنائها الذين شاركوا فيها، بالاقصاء والاعتقال والإعدام، عُزل بني صدر، أول رئيس للجمهورية، وتمكّن من الهرب، ليبعث النظام قاتلاً يغتاله في باريس، فينجو وتُقتل امرأة فرنسية، ويُعتقل القاتل، ويُطلق سراحه فيما بعد لقاء مبادلات مع رهائن غربيّين، رافقت عمليات الانتقال من النظام الملكي إلى نظام ولاية الفقيه حملات اعتقالٍ وقمعٍ وإعدامات، وكان أول المعترضين السيد حسين علي منتظري، المُسمّى خليفة الإمام الخميني، إذ انتقد بصراحة قوى الأمن ومصلحة الاستخبارات لمعاملتهم السّيئة للسّكان وخاصةً المعتقلين السياسيّين، وحدثت القطيعة بينه وبين النظام والحكومة التي يشرف عليها الخميني في خريف العام 1988، حينما نُفّذ حكم الإعدام بآلافٍ من المعارضين المعتقلين، فتوجّه منتظري إلى المرشد الخميني للتّعبير عن انتقاداته، إلاّ أنّ الخميني كان شديد المرض آنذاك، واعترض منتظري على إحداث مجلس تشخيص مصلحة النظام في العام 1988، وبعد ذلك في العام 1989 أقال مجلس الخبراء منتظري من وظيفته كخليفة للمرشد، فأمره الخميني عندئذٍ بالاهتمام بأصول الدين وترك السياسة.

غالت الجمهورية الإسلامية بعد وفاة الخميني، وانتهاء الحرب العراقية - الإيرانية في التّوغُّل بأزمات المنطقة الإقليمية العربية، واستكمالاً لنهج تصدير الثورة "البائس"، عمدت للانغماس في الحروب المشتعلة في العراق وسوريا ولبنان واليمن، ليعاني اقتصادها من أزمة مالية خانقة، وحصار أميركي قاسٍ على كافة قطاعاتها الاقتصادية والحيوية والإستراتيجية، وهي إذ تحتفل اليوم بالذكرى الأربعين لانتصار الملالي وفرض نظام الولاية المطلقة للفقيه، تبدو كأنّها على مشارف نهاياتها ما لم تتراجع عن سياسات التوسّع والهيمنة في المنطقة العربية، والتي استنزفت مواردها الضخمة، وتسبّبت لها بالأزمات التي تتناسل من بعضها البعض.