ترسيخ موقع الرئاسة العراقية في الهامش وإحباط جهود برهم صالح لتفعيل دورها.
 
يقترب رئيس الوزراء العراقي الأسبق زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي من حجز موقع في تشكيلة المناصب التي أفرزتها الانتخابات العامة في مايو الماضي، تعويضا لكتلته عن مقعد وزاري وُعدت به في كابينة عادل عبدالمهدي، ولم تحصل عليه.
 
وعلمت “العرب” من مصادر سياسية مطلعة في بغداد، أن “المالكي يوشك على تجديد ولايته نائبا لرئيس الجمهورية”، بالرغم من الجدل الكبير الذي يثيره وجود هذا المنصب أساسا، إذ يكاد يكون بلا أي صلاحيات.
 
وقالت المصادر إن “منح المالكي منصب نائب الرئيس يأتي ترضية لائتلاف دولة القانون الذي يقوده بعد أن تلقى وعدا بالحصول على وزارة في حكومة عبدالمهدي، لكن ذلك لم يتحقق، بسبب ظروف المفاوضات”.
 
وبحسب المصادر، فإن تطورا من هذا النوع سيفتح الباب على مصراعيه أمام تكرار مشروع “النواب الثلاثة” لرئيس الجمهورية، وهي صيغة فرضتها المحاصصة الطائفية على الوضع السياسي العراقي، وتقضي بوجود ثلاثة نواب لرئيس الجمهورية، يمثلون الأطراف الرئيسية في الطيف العراقي.
 
وفي حال حصل المالكي على هذا المنصب، سيكون المجال مفتوحا أمام زعيم حركة الحل جمال الكربولي لشغل منصب النائب الثاني لرئيس الجمهورية، فيما قد تتاح الفرصة للمكون التركماني ليحصل على منصب النائب الثالث، ممثلا بأرشد الصالحي.
 

وبذلك، ستكتمل صورة التمثيل القومي الطائفي في رئاسة الجمهورية، إذ أن الرئيس برهم صالح كردي، والمالكي شيعي، والكربولي سني، في حين يبدو أن زعيم الجبهة التركمانية أرشد الصالحي هو أبرز مرشحي المكون التركماني لهذا المنصب.

ويكاد الدستور العراقي أن يخلو من أي صلاحيات مؤثرة لرئيس الجمهورية، ما يثير الجدل بشأن تسمية نواب ثلاثة له، ليست لديهم أي واجبات دستورية أو مهام تنفيذية.

ويحاول الرئيس العراقي برهم صالح أن يمنح منصبه زخما أكبر من الذي تحدده الأطر الدستورية، فيما يقول مراقبون إن الرئيس العراقي يزاحم وزير الخارجية في حكومة عبدالمهدي على مهامه.

وتقول مصادر “العرب” إن “الكربولي والصالحي يراهنان على الثقل السياسي الذي يمتلكه المالكي في المشهد العراقي، معتمدا على دعم إيراني كبير، ربما يكرر حضوره في منصب نائب الرئيس أربع سنوات أخرى”.

وعلى هذا، لا يظهر الكربولي في مشهد المطالبة بمنصب له شخصيا، فيما يرهن الصالحي مطالبته بهذا المنصب، بـ “مظلومية المكون التركماني”، رابع أكبر المكونات العراقية، وأقلها حضورا في المناصب التنفيذية.

وتقول المصادر إنّ “وجود المالكي في منصب نائب الرئيس، ضمانة لحمايته من أي محاولات تصفية سياسية قد يخطط لها أي طرف”.

وينظر الشارع العراقي إلى المالكي بوصفه الهدف الكبير لأي عملية ملاحقة ضد الفاسدين والمتورطين بقضايا تبديد المال العام، لكن حصانته السياسية، التي توفرها العلاقة الوثيقة بطهران، تعيق اتخاذ إجراءات ضده.

ويرى مراقبون أنّ التلميحات التي صدرت عن رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، بضرورة ضرب الحيتان الكبيرة، وعلى رأسهم المالكي، كانت أبرز أسباب قطع الطريق على ولاية ثانية في منصبه.

ويقول سياسي عراقي طلب عدم الكشف عن هويته إنّ المالكي لم يعد ذلك الرقم الصعب الذي لا يمكن تخطيه إذا ما تعلق الأمر بالعملية السياسية، ومع ذلك هناك مَن لا يزال يخشى مكائده ومؤامراته ويحاول استرضاءه، حتى وإن تم ذلك الاسترضاء عن طريق ركنه جانبا باعتباره نائبا لرئيس الجمهورية وهو منصب لا قيمة دستورية له، غير أنه يوفر له امتيازات استثنائية من بينها حمايته من أي مساءلة قانونية قد يتعرض لها بسبب السياسات الكارثية التي تبناها أثناء فترة حكمه التي امتدت من سنة 2006 إلى 2014.

ويضيف ذات المتحدث “لأن المالكي يعتبر نفسه عراب العملية السياسية وصانع الحكومات وباني العراق الجديد فإنه استطاع أن يحيط نفسه بهالة، لا يتمتع بها أحد سواه. وكما هو معروف بالنسبة للجميع فإنه لم يصل إلى تلك المكانة إلا عن طريق الهدر المجاني والعشوائي للمال العام وهو ما جعله قادرا على استقطاب الكثير من المطبلين الذين يسبحون بحمده ويطلقون عليه ألقابا توحي بهيمنته الطائفية مثل لقب مختار العصر”.

ويؤكّد السياسي العراقي “إذا ما كان المالكي قد وصل إلى مرحلة اليأس من عودته إلى الحكم فإن ذلك لم يقف حائلا بينه وبين الاستمرار في إدارة الدولة السرية التي هي عبارة عن شبكة معقدة من المصالح التي يديرها أتباعه الفاسدون داخل الدولة العلنية، وقد كانوا دائما قادرين على تعطيل وإفشال أي محاولة للإصلاح من خلال إجهاض كل فكرة تدعو إلى توجه من ذلك النوع”.

ويختم المتحدث بالقول “الخوف من المالكي الذي عُرف بدهائه وخبثه وعلاقاته المشبوهة قد يساوي خوف المالكي من رغبة الآخرين في البطش به والتخلص منه ومن ذلك ينشأ توازن استطاع المالكي أن يستفيد منه في دفع الآخرين إلى عدم إغضابه أو الإضرار بمصالحه. وكما يبدو فإن سياسة المالكي تعتمد على قدرة شبح الذئب على إشاعة الخوف في قلوب الآخرين حتى بعد اختفاء الذئب. فلا أحد يجرؤ على تسمية المالكي فاسدا بالرغم من وجود الكثير من الملفات التي تدينه”.

وبالرغم من خسارة المالكي في انتخابات مايو نحو ثلثي عدد المقاعد النيابية التي كان يملكها خلال الدورة السابقة، إلا أنه مازال يحظى بحماية ودعم إيرانيين.

وتعتقد الأوساط السياسية الشيعية أن زعيم ائتلاف دولة القانون، خط إيراني أحمر، لن يجرؤ أحد على النيل منه خلال المدى المنظور، بالرغم من تهم الفساد الكثيرة التي تحيط به، تحديدا خلال ولايته الثانية في منصب رئيس الوزراء بين 2010 و2014، وتحميله مسؤولية سقوط الموصل ومن ورائها ثلثا مساحة العراق في أيدي عناصر تنظيم داعش، بعد انهيار المؤسسة الأمنية خلال العام الأخير من ولاية المالكي الثانية لأسباب تتصل مباشرة بطريقة إدارته لمختلف مؤسسات الدولة والفساد الكبير الذي تسرّب إليها.