رحمك الله يا جورج، وكان بعون الصابرين، قيل لأعرابيّ: أما تُصلّي! قال: البردُ شديدٌ، وما عليّ كسوةٌ أُصلّي فيها
 

قال الشاعر عمر الخيام: 

نحو هذه الكأس المقلوبة..

والتي اسمها السماء

ونعيش ونموت تحتها كالحشرات 

لا ترفع يديك طلباً للعون

فهي مثلك .. مغلوبة على أمرها.

ومن أين يأتي العون يا شهيد الوطن المغلوب على أمره؟ الشهيد جورج زريق الذي لم يُفلح في الحصول على إفادة تسمح له بنقل ابنته من المدرسة التي عجز عن سداد رسومها، قدّم اليوم جسده قرباناً على مذبح العلم، وصرخة مدوية في وجه الطبقة السياسية الفاسدة.

إقرأ ايضًا: الرئيس الحريري والوزير باسيل .. الجنوح نحو التّشدُّد والاستقواء

تسعة أشهر لتأليف حكومة محاصصة، بعد فصولٍ مأساوية ومُعيبة من التّجاذبات الإقليمية و"التّناتش" على الوزارات "الدسمة"، تسعة أشهر لطبخ حكومة لا تُبشّر بالخير من صورتها وتركيبتها، وبيان وزاري "مسلوق" خلال أيامٍ معدودات، تسعة أشهر والخبراء الاقتصاديّون والغيارى على مصلحة البلد يُحذّرون من مغبّة الأوضاع الاقتصادية القاسية، ومع ذلك، كانت حسابات أهل السلطة والمغانم في وادٍ آخر.

قبل أن تنال حكومة "هيّا إلى العمل" ثقة مجلس النواب "لمضمونة"، ها هي تفقد ثقة الناس الذين طحنتهم السياسات الاقتصاديّة الخاطئة، باستشهاد الأب الذي فقد صوابه لعدم تمكُّنه من تعليم أبنائه، فأحرق نفسه في واضحة النهار وفي باحة المدرسة التي كانت تلهو وتمرح فيها ابنته، قدّم نفسه وجسده قرباناً للعلم، وفداءً للبُنُوّة، وصرخةً مدوّية في وجه طبقة سياسيّة تدفع بمواطنيها نحو مهاوي الإحباط واليأس وحدود الكفر والانتحار.

رحمك الله يا جورج، وكان بعون الصابرين، قيل لأعرابيّ: أما تُصلّي! قال: البردُ شديدٌ، وما عليّ كسوةٌ أُصلّي فيها.