إعتراضات جنبلاط و«القوّات» إقتصادية وإجرائية... وسياسيّة أيضاً
 

حددت الحكومة الجديدة اولوياتها واهتماماتها الكبرى والصغرى في بيانها الوزاري الذي اقرته امس، وركزت فيه على تطوير الاقتصاد والنهوض به وربطت ذلك بحزمة اصلاحات ادارية ومالية واجرائية، قد لا تعجب الكثيرين، نتيجة الاختلاف على التوجهات وعلى بعض الاولويات الاقتصادية والمالية والادارية لا سيما خصخصة بعض القطاعات العامة. وهو ما عبّر عنه رئيس الحزب التقدمي وليد جنبلاط في مواقف علنية صريحة، قبل التزامه التهدئة مع رئيس الحكومة سعد الحريري بعد تدخل مباشر من رئيس المجلس النيابي نبيه بري. كما عبرت عنه قوى سياسية اخرى ولو بقدر اقل من الحدة.

ويبدو ان جنبلاط لا زال مستمرا بنهج المعارضة لبعض التوجهات الاقتصادية، لكنه في السياسة سجّل نقاطا كثيرة وارسل رسائل كثيرة خاصة الى الرئيس الحريري، في ما بدا انه احتجاج واضح على استبعاده عن تركيبة الحكم الجديدة، التي يُعتبر عمادها الان رئيس الجمهورية و«التيار الوطني الحر» بشخص الوزير جبران باسيل ورئيس الحكومة وتياره السياسي، وبين الطرفين يقف الرئيس بري بصفته «صمام امان» «لدوزنة» اي انحراف جوهري عن تركيبة الحكم التي ارساها اتفاق الطائف، هذه التركيبة التوافقية - الميثاقية برغم كل علاّتها منذ البدء بالتطبيق الانتقائي لاتفاق الطائف.

ويبدو ان ثمة جبهة اخرى ستقوم داخل الحكومة تمثلت بالتنسيق القائم بين الحزب التقدمي و«القوات اللبنانية»، والتي تميزت خلال الاسابيع التي سبقت تشكيل الحكومة بلقاءات شبه دورية بين نواب ووزراء الطرفين، بما يوحي ايضا وكأن «القوات» تستشعر محاولات لإضعافها او محاصرتها داخل الحكومة حتى بعد تشكيلها، تماما كما يشعر جنبلاط. وهو الامر الذي يشير الى اعتراضات سياسية ايضا على أداء التركيبة الحاكمة الجديدة، بغض النظر ما اذا كانت سليمة وصحيحة ام لا.

اما وقد تشكلت الحكومة وستنال ثقة نيابية كبيرة الاسبوع المقبل، يبقى السؤال حول كيفية مقاربة هذه الحكومة ورئيسها للملفات المختلف عليها لا سيما في المجال الاقتصادي والاصلاحي والاداري وفي تصحيح الخلل السياسي، حيث ظهر ان هناك ملاحظات جوهرية لعدد من الاطراف على البرنامج المقترح تبعا لمقررات مؤتمر «سيدر» الفرنسي الاقتصادي، وحيث تسرّبت معلومات تفيد ان بعض القوى المشاركة في الحكومة قد «لا تبصم على العمياني»، على كل ما يُطرح، وستتعامل مع الملفات «على القطعة» وليس ككل متكامل، بحيث تقبل بهذا المشروع وترفض ذاك، حتى لو كان هناك تحالف متين بين الاطراف كما هو الحال مثلا بين «حزب الله» و«التيار الحر» او بين «تيار المستقبل» و«التيار الحر»، او بين «القوات» والتقدمي.

وثمة من يرى ان مهمات الحكومة لا يجب ان تقتصر فقط على برنامج تنفيذ مقررات مؤتمر «سيدر»، الذي يرتب على لبنان ديونا اضافية، ويقترح حلولا ولو على حساب الطبقة المتوسطة والفقيرة في بعض جوانبه، ومع ذلك يبدو ان احدى اهم ايجابياته هي إلزام الطبقة السياسية الحاكمة بمكافحة الفساد والهدر والتضخم الوظيفي والغاء المحسوبيات وخفض الانفاق، وخفض نسبة الدين العام وفوائده الذي بلغت قيمته بالنسبة للناتج المحلي أكثر من 80 في المائة.

فبعض القوى ترى ان الالتزام الاعمى بمقررات مؤتمر «سيدر» يُرتب اعباء كبيرة على الدولة وعلى المواطن، خاصة اذا لم يتم تطبيق ما تضمنته بشكل دقيق وسليم ولا سيما لجهة وقف الفساد والهدر، وترى هذه القوى ان المطلوب هو تغيير سلوكيات وممارسات وخطط وبرامج سياسية واقتصادية اعتمدت من بعد اتفاق الطائف وأوصلت البلاد الى ما وصلت اليه من تردٍ لا يشكو منه المواطن فقط بل بات يؤرق الطبقة السياسية نفسها برغم من انها هي المسؤولة عنه.