لم تختلف صيغة البيان الوزاري، للحكومة الجديدة، عن بيان الحكومة المستقيلة، من الناحية السياسية. فالأولوية الآن للاقتصاد والمال، وليس للسياسة ومنازلاتها المعرقلة للمصالح المتقاطعة. التجديد في البيان اقتصر على الجوانب المالية والاقتصادية. بعضها ما هو سلبي وثقيل على الناس، من خلال الإقرار بضرورة اتخاذ إجراءات قاسية. وبعضها الآخر يتعلّق بالإصلاحات، إنسجاماً مع متطلبات نيل المساعدات الدولية. بعض الخلافات التي وقعت، كانت تتعلق ببند اللاجئين السوريين، وملف العلاقات مع النظام السوري. لكن نيّة مجانبة الدخول في إشكالات تعزز الانقسام، وجدت في الصيغ القديمة المخرج الأفضل.

صمت دولي - إقليمي

ليس البيان الوزاري سوى تأشيرة دخول إلى المجلس النيابي، للحصول على الثقة. بعدها، يوضع في الأدراج، كما درجت العادة في لبنان. لكنه قد يكون الأصرح في هذه المرحلة، لناحية عدم "تكبير الأحجار" السياسية، مقابل التركيز على الوضع المالي والاقتصادي. وما الهروب من الملفات السياسية، سوى مؤشّر على عدم الاستعداد لدى مختلف القوى اللبنانية للانقسام على ذاتها، ولا فتح الأبواب أمام الرياح الإقليمية، خصوصاً في ظل صمّت مطبق يخيّم على المواقف الدولية، منذ تشكيل الحكومة. فلم تصدر البيانات المرحّبة من الدول المعتادة، أو الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية، وهذا مؤشر لا بدّ من قراءته بعناية.

بعض المصادر تعتبر أن الترحيب بالحكومة وولادتها سيكون مرهوناً ببيانها الوزاري. هذا بالنسبة إلى المواقف العربية عموماً، والخليجية خصوصاً، ولذلك استنسخ البيان بنوده السياسية عن البيان السابق، لمجانبة أي موقف سلبي علني. لكن الصمت حتّى الآن، هو مؤشر سلبي، وفق بعض القراءات، التي ترافقت مع تحركات ديبلوماسية لافتة على الساحة اللبنانية، بالأخص بعد الاشتباك الذي حدث بين الرئيس سعد الحريري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، ومواقف جنبلاط الاعتراضية على شكل الحكومة ومضمونها.

سفيرا أميركا وفرنسا

مواقف جنبلاط استدعت تحرّكاً ديبلوماسياً. فبُعَيد موقفه بفترة قصيرة، حطّ السفير الفرنسي في كليمنصو، الذي عبّر عن تأييده لملاحظات جنبلاط، مشدداً على وجوب انتظار آلية عمل الحكومة، كما حرص على ضرورة رأب الصدع مع الحريري. 

في اليوم التالي، حطّت السفيرة الأميركية ايليزابيت ريتشارد في كليمصنو، معبّرة عن دعمها وتأييدها لمواقف جنبلاط، وخصوصاً في الحفاظ على الطائف وعلى التوزانات. ريتشارد عادت والتقت رئيس حزب القوات اللبنانية، الذي يعتبر أيضاً مغبوناً في هذه التشكيلة الحكومية. وهي إشارة أميركية لافتة بالوقوف إلى جانب جنبلاط وجعجع، بعد امتعاضهما من مواقف الحريري. في موازاة ذلك، كانت التهدئة تتقدّم على خطّ الحريري جنبلاط، إثر مساع كثيرة بذلت، مع التأكيد بأن كل طرف لا يزال على موقفه وملاحظاته.

حركة جنبلاط واتجاهاتها

وفي هذا السياق، جاءت زيارة الوزير وائل أبو فاعور إلى المملكة العربية السعودية. ومع الإشارة إلى أن طلب الموعد كان قبل حصول الإشتباك، لكن خلفية طلب الموعد وأسبابه تتعلق بالتوازنات التي يهدف البعض إلى الإخلال بها في التشكيلة الحكومية التي أنجزت، فيما شكّل اللقاء مناسبة للبحث في سوء التفاهم بين جنبلاط والحريري، وكيفية رأب الصدّع، إلى جانب التأكيد على حماية إتفاق الطائف. الفحوى ذاتها نقلها الوزيران أبو فاعور وأكرم شهيب إلى رئيس الجمهورية، مع التشديد على مصالحة الجبل، وعدم إثارة أي توتر والحرص على تسيير عمل الحكومة بشكل هادئ، ومن دون أي إشكالات. لكن، أيضاً ليس على قاعدة الإلغاء أو التطويق. جولة الوزيرين الاشتراكيين ستشمل الحريري والرئيس نبيه برّي. وهدفها وقف السجالات والتوترات، بموازة المظلّة التي يعمل جنبلاط لنسجها تحت عنوان حماية الطائف. 

الملف الأساسي الذي اعترض عليه جنبلاط أيضاً، كان المتعلّق باللاجئين السوريين. وهو حظي بجانب واسع من المناقشات، خصوصاً في ضوء مسعى التيار الوطني الحرّ إلى تعزيز دور وزارة شؤون اللاجئين، بعد توليها من قبل موالٍ لهم وللنظام السوري، فيما كانت المساعي سابقاً لتهميش أي دور لها، عندما كان يتولاها الوزير معين المرعبي، فاعترض شهيب على هذه المحاولات، رافضاً أن يتم تحويل هذه الوزارة إلى مجلس إنماء وإعمار جديد. لكن في النهاية، جرى الاكتفاء بالتأكيد على مواصلة الحكومة العمل مع المجتمع الدولي، للوفاء بالتزاماته، التي أعلن عنها في مواجهة أعباء النزوح السوري، ولاحترام المواثيق الدولية، مع الإصرار على أن الحل الوحيد هو بعودة النازحين الآمنة إلى بلدهم، ورفض أي شكل من أشكال اندماجهم أو دمجهم في المجتمعات المضيفة. إلى جانب الترحيب بالمبادرة الروسية، المختصة بإعادة اللاجئين السوريين إلى أراضيهم.