هي صورة تاريخية ارتسمت على أرض دولة الإمارات العربية المتحدة، في عمقها نقطةُ تحوّلٍ في هذا الشرق الذي مازال يعاني تداعياتِ حقبةٍ سوداءَ أرادت إلباسَ هذه المنطقة قناعاً بشعاً باسم الدين، بلون الإرهاب والجاهلية العمياء.
 

الصورة، كما يراها الرئيس نبيه بري، بقدر ما هي تاريخية هي في منتهى الطبيعية باعتبارها تؤكد المؤكَّد في هذا الشرق، الذي هو مهد الديانات ومنطلقها؛ تؤكد صورة الشرق على حقيقته، الشرق الاسلامي المسيحي، شرق الديانتين السماويتين، أبناؤهما هم اصحاب هذه الارض، وهم اهلها، متجذِّرون فيها بعيشٍ واحدٍ ومصيرٍ واحد، وليسوا أبداً طارئين عليها أو زوّاراً اليها أو ضيوفاً فيها.

تلك هي الرسالة، يضيف بري، التي اطلقتها زيارة قداسة البابا من دولة الامارات، الى كل العالم؛ رسالةُ انفتاح وعيش واحد، حوار بين ابناء المسيح ومحمد، حوار الأخوة الإنسانية، مقروناً بتوقيع وثيقة تحت هذا العنوان مع شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب.

في قاموس بري كلامٌ كثير عن زيارة البابا، يعكس شعوراً بالاطمئنان للحاضر والمستقبل في آن، يقول: «إنّ المعنى التاريخي لزيارة الحبر الأعظم الى الإمارات، جارة مكة حيث وُلد النبي محمد وانطلق الإسلام، والتي تبعد مرمى حجر من بيت لحم حيث وُلد السيّدُ المسيح وانطلقت المسيحية، وكذلك عن ارضنا، عن قانا الجليل حيث قدّم المسيح أولى معجزاته. يتبدّى، أي المعنى التاريخي، في انها المرة الاولى في التاريخ التي يحضر فيها رأسُ الكنيسة الكاثوليكية الى هذه الارض، الى مهد الاسلام.

هي الصورة التي ينبغي أن تنطبع في اذهان المسيحين والمسلمين في كل أصقاع الارض. على ما يقول بري، صورة الحوار بين الديانتين السماويّتين، اللتين يشكّل تعدادهما نصف سكان العالم تقريباً، أي نصف البشرية، حوارٌ يعزّز التلاقي وكل عناصر الجمع في ما بينهم، ويضمن ويؤكد في آن معاً، الحرية الدينية بحرفية معناها، بعيداً عن التطييف والتسييس، فمن شأن ذلك، وبلا ادنى شك، أن يؤثر ويعزّز ويدفع ويقدّم حركة السلام في العالم.

يدعّم بري كلامه هذا باستذكار بعض آياتٍ من القرآن الكريم، للتدليل على عمق ما يربط بين المسيحيين والمسلمين: «في هذه الآيات تجد «تحنانا» بلغة القرآن، لغة الله عزّ وجلّ نحو المسيحيين..» لتجدَنّ أقربهم مودّة الى الذين آمنوا الذين قالوا إنّا نصارى، ذلك بأنّ مَن منهم قسيسين ورهبانا.. وأنهم لا يستكبرون وإذا سمعوا ما اُنزل الى الرسول ترى أعينَهم تفيض من الدفع..».

ويضيف: «في القرآن لم يؤتَ على ذكرٍ لوالدة الرسول محمد، بل فيه للعذراء مريم تمييزٌ إلهيٌّ لها في بتوليّتِها وطُهرِها ونُسكِها وعبادتِها واصطفائِها على نساءِ العالمين».

ويستذكر أيضاً انه في زمن الرسول لم يحصل أن تقاتل المسلمون والمسيحيون، ولم يحصل أن دخلوا في معارك في ما بينهم، بل حصل قتالٌ بين المسلمين واليهود الأكثرَ كفراً ونفاقاً وفسقاً ...» ولتجدَنّ اشدّ الناس عدواةً للذين آمنوا اليهود...». وبتاريخ الأديان لم يحصل أنّ المسيحيين قتلوا رسولاً من الرسل، بينما اليهود لم يتركوا رسولاً إلّا وقتلوه».

هذا هو تاريخنا الاسلامي والمسيحي يقول بري، تاريخ التعايش الموجود الآن في أكثر دول العالم، لذلك أنا اقول دائماً بالنسبة الى لبنان، توقفوا عن مقولة لبنان طائر بجناحيه المسلم والمسيحي، أقول توقفوا لأنّ هذا الامر موجود في كل العالم، فها هي مصر التي تصنَّف دولة إسلامية يوجد فيها مسيحيون أكثر من المسيحيين الموجودين في لبنان بثلاثة أو أربعة أضعاف، وفي باريس على سبيل المثال يوجد مسلمون أكثر ممّا يوجد مسلمون في لبنان، ومن هنا أنا اقول دائماً المسلمون والمسيحيون في لبنان مواطنون لبنانيون، وطوائفه نعمة والطائفية نقمة، وهؤلاء المسيحيون والمسلمون اللبنانيون منتشرون في كل العالم، هذا هو النسيج اللبناني، هذا هو المجتمع اللبناني ومن هنا أنا اؤكّد دائماً أنّ لبنان هو طائر بجناحيه المقيم والمغترب.

ما أقوله في زيارة قداسة البابا، كما يقول بري، إنها محطة تاريخية أنارت سماء الشرق الاسلامي والمسيحي بحوار وانفتاح بين الديانتين، وأقل الإيمان في ما يعنينا في لبنان أن نثبت هذه الصورة في التأكيد قولاً وفعلاً، إننا كمسلمين لبنانيين وكمسيحيين لبنانيين، أبناءُ وطن واحد، وتاريخ واحد ومصير واحد، وهمّنا واحد، وعدوّنا واحد، نعيش معاً على أرض واحدة بتآخٍ ووئامٍ وسلامٍ وانسجام ولا يستطيع أحدٌ أن يقتلعَهم منها. وجلّ ما يريدون ويطمحون اليه هو الدولة، دولة القانون، الدولة العادلة، التي ترفع كل مكوّناتها الى مرتبة الموطنة الحقّة، دولة يشارك فيها الجميع، وتخدم مصالح الجميع، وتحمي الجميع، حاضراً ومستقبلاً.

لقد سبق للبنان أن تلقّى لفتةً من الكرسي الرسولي، تجلّت في زياراتٍ للبابا بولس السادس ثمّ البابا يوحنا بولس الثاني ثمّ البابا بنديكتوس السادس عشر. وزيارة البابا الى الإمارات وأهمّيتها التاريخية، انعشت ارتياحاً عمّا لدى بري وحفّزته على إبداء الرغبة بأن يحظى لبنان بلفتة نوعيّة من الكرسي الرسولي، ومن هنا جاءت برقيّته الى البابا فرنسيس قبل وصوله الإمارات مقدِّراً أهمية زيارته ومُبدياً رغبة شديدة في «أن تكون لنا ولوطننا مكانة في المقبل من برنامج زياراتكم وأسفاركم ليقترن مع اهتمامكم ورعايتكم الدائمة وصلواتكم التي تخصّون بها لبنان».

وصلت برقية بري الى الفاتيكان، وأما لبنان ففي انتظار أن يشهد في الآتي من الأيام الحدث الكبير حينما تحطّ طائرةُ البابا فرنسيس في مطار بيروت.