رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي يسترضي طهران ويتعهد بعدم تنفيذ العقوبات الأميركية.
 

لعبت إيران آخر أوراقها في الحملة التي تخوضها ضد الوجود العسكري الأميركي في العراق، مستنجدة بموقف المرجعية الدينية، التي أصدرت بيانا يحث الولايات المتحدة، دون أن يسميها، على عدم توظيف العراق في استهداف دول الجوار.

يأتي هذا بالتزامن مع موقف غير معهود لرئيس الحكومة عادل عبدالمهدي يعلن فيه أن العراق لن يقبل بتنفيذ العقوبات الأميركية المقررة ضد إيران.

وقال المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني، إن العراق “يرفض أن يكون محطة لتوجيه الأذى لأي بلد آخر”، في إشارة إلى إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن بلاده تبقي وجودها العسكري في العراق، لمراقبة إيران.

ولئن شمل البيان الذي صدر عن السيستاني قضايا أخرى بينها رسائل إلى الميليشيات وضرورة حصر السلاح بيد الحكومة العراقية، فإن الهدف من البيان، سواء صدر عن السيستاني أو عن المحيطين به، هو توظيف اسم المرجعية في الضغوط التي تمارسها إيران ضد الوجود الأميركي في العراق

ولا أحد في إمكانه أن يجزم بمصداقية التصريحات التي تُنسب إلى السيستاني. فالرجل الذي لم يخاطب الشعب العراقي مباشرة غالبا ما تندرج تصريحاته ضمن حاجة الطبقة السياسية الحاكمة إليها. لذلك يمكن توقع أن يقوم مكتبه الذي هو مصدر تلك التصريحات بتلبية تلك الحاجة.

ويقول مراقب سياسي عراقي في تصريح لـ”العرب” إنه إذا ما عرفنا أن الطبقة السياسية قد عملت في الكثير من المناسبات على المضي بمشروعها بغض النظر عما إذا كان ذلك يتطابق أو يتناقض مع ما يصرح به المرجع الديني يمكننا القول إن تلك الطبقة تتعامل بانتقائية مع ما يُنسب إلى السيستاني من تصريحات وتوظفه حسب حاجتها أو وفق أجندة إيران في العراق والمنطقة.

وقال مراقبون إن إشارة السيستاني إلى رفض العراق أن يكون محطة لمهاجمة بلد آخر، تتضمن تحذيرا للولايات المتحدة من استخدام الأراضي العراقية لشن عمل عسكري ضد إيران، وهو ما يمكن أن تستغله ميليشيات عراقية موالية لطهران غطاء للتصعيد ضد واشنطن.

وعلى الجانب الآخر، يسلط تعليق السيستاني الأضواء على مخاوف شعبية متنامية في العراق، من تحول أراضي هذا البلد، إلى ساحة حرب بين الولايات المتحدة والميليشيات الموالية لإيران.

ويمثل الوجود العسكري الأميركي نقطة نزاع سياسي بين مختلف الأحزاب العراقية.

ويسعى الفريق البرلماني الموالي لإيران في مجلس النواب، لتشريع قانون يلزم الحكومة العراقية بالطلب من الولايات المتحدة سحب عسكرييها من العراق. وبدا أن رجل الدين الشيعي العنيد مقتدى الصدر، الذي ينظر إليه بوصفه حجر الزاوية في معارضة النفوذ الإيراني في العراق، انضم إلى هذه الجهود. لكن قياديا بارزا في تحالف الإصلاح الذي يرعاه الصدر، قال إن هذا الأمر ما زال قيد النقاش.

وكشف رئيس كتلة النصر البرلمانية، ضمن تحالف الإصلاح، عدنان الزرفي أن “المواقف التي ينسبها بعض الساسة للصدر بشأن قانون إخراج القوات الأميركية، لا تستند إلى شيء”.

وأضاف “لدينا الخيار في أن نصوت ضد تشريع من هذا النوع، فوجود القوات الأميركية في العراق، يشكل ضرورة استراتيجية في هذه المرحلة”.

ويأتي الموقف الجديد الذي يكشف عنه ممثلو الصدر ليؤكد عدم الالتزام بتوجيهات المرجع الديني الأعلى، فحين يقرر مقتدى الصدر من خلال ممثليه في مجلس النواب الوقوف ضد أي استصدار قرار يلزم الحكومة العراقية بالطلب من القوات الأجنبية والمقصود هنا القوات الأميركية بمغادرة العراق، فإن ذلك يعبر عن الوقوف ضد التيار الشيعي السائد الذي يسعى بشتى الطرق للحيلولة دون قيام الولايات المتحدة بمراقبة إيران من الأراضي العراقية أو استعمال تلك الأراضي منطلقا لأي حرب متوقعة.

وإذ ينأى الصدر بتياره عن الانزلاق إلى موقف رافض لتواجد القوات الأميركية فإنه بذلك يعبر عن موقف شعبي صار يميل بشكل واضح إلى البحث عن أي وسيلة ممكنة للتخلص من الهيمنة الإيرانية وإنهاء دور الميليشيات المسنودة من قبل إيران في الحياة العامة في العراق.

ويبدو الأمر أشبه بلعبة جر الحبل التي تحاول القوى الموالية لإيران أن تضم السيستاني إلى جبهتها من أجل أن يكون لها سند تستقوي به على الشعب الذي يمثل الطرف الثاني في المعادلة وهو ما دفع بمقتدى الصدر إلى التراجع عن حماسته الأولى ليكسب رضا الشعب.

وعلى خلاف حملات التحشيد الشعبي التي كانت تشنها هذه الميليشيات لتحريك الشارع الشيعي في العراق ضد الوجود الأميركي، لا تبدو الحملة الحالية ناجحة، لكنها تثير مخاوف السكان من حرب جديدة.

ويقول سكان محليون في مناطق بغداد الشرقية، التي تعد معقلا للكثير من الميليشيات، إن حملات حلفاء إيران للتحشيد الشعبي ضد الولايات المتحدة لم تعد تحظى بالاهتمام، فيما قال آخرون إنهم ليسوا على استعداد للقتال نيابة عن دولة أخرى.

وخرج رئيس الوزراء العراقي، الأربعاء، عن هدوئه المعهود حين قال إن “بلاده لن تكون جزءا من العقوبات الأميركية المفروضة ضد إيران وأي شعب آخر”.

وعزت مصادر عراقية هذا التصعيد في الخطاب إلى أن عبدالمهدي يسعى إلى استرضاء إيران والدخول ضمن حزامها السياسي الواسع لتأمين عمل حكومته خاصة في ضوء النفوذ المؤثر في البرلمان للكتل الموالية لطهران.

وحسب بيان صادر عن المكتب الإعلامي لرئاسة الوزراء العراقية، استقبل عبدالمهدي محافظ البنك المركزي الإيراني عبدالناصر همتي والوفد المرافق له في العاصمة بغداد، صباح الأربعاء، وبحثا العلاقات الاقتصادية بين البلدين.

وخلال اللقاء، قال عبدالمهدي إن “شعب العراق عانى من الحصار، ويدرك الضرر الذي يلحق بالشعوب من جرائه”. وأضاف “لن نكون جزءا من منظومة العقوبات الأميركية ضد إيران، وأي شعب آخر”.

وكانت الحكومة العراقية السابقة برئاسة حيدر العبادي أعلنت أنها لا تتعاطف مع العقوبات الأميركية ضد إيران، لكنها ستلتزم بها لحماية مصالح العراق.