فقهاء المسلمين ومراجعهم وعلمائهم وحكمائهم، يتحملون مسؤولية هذه النظرة بين السنة والشيعة، وهذه الفتاوى والتخبط والصراع الذي يعيشه اليوم المسلمون
 

حاولت أن أرسم وجه الطفولة على جدار كعبة المسلمين... وحائط بيت الرحمة والمحبة لنبي السلام محمد (ص)، وعلى ضوء مئذنة مساجد الله في مدينته المنورة وبيوتها الحزينة، وعلى ضوء الشمعة المتبقية في صيف صحرائهم المكلومة، وفي كل بقعة من بقاع مهبط الوحي والدين، تتدلَّى أقمار على حبال السيف والدمع، والفتوى والفتنة، فبأي ذنبٍ قُتلت الطفولة،وبأي ذنبٍ تجوع وتتعرَّى وتتهجَّر، وبأي ذنبٍ تذبح وتُنحر قربةً وقرباناً وقرابين لوجه الله، بدمٍ باردٍ تنطفئ قناديل النجوم على دحال الليل لقوافل قريش وفرسان العير، وعمائم الإسلام وجلابيب الدين.

لقد أتعبنا رجال دين الله والناطقون الرسميون بإسمه،وحقنتنا تلك الثقافة الميِّتة والمنغلقة، تلك التي أفسدت عقولنا وشوَّهت نفوسنا، حتى بات يلعن بعضنا بعضاً، ويكفِّر بعضنا بعضاً. 

إقرأ أيضًا: مجرم في وشاح شريف...!

إنَّ أسوأ مآسينا أننا لا نعترف بما يقترفه السفهاء منا، كما أننا جاهزون لعبارات التبرير، بأنَّ الآخر كافر ومارق ومشرك وملحد، ونحن الذين نملك الحقيقة ونستحق الحياة ونسود الأرض ومن عليها، ونأخذ الأجر ونكتسب الرضوان وننعم بالجواري الحِسان، وغيرها من الترهات التي أفسدت شخصياتنا وإنسانياتنا، فالخوف وكل الخوف القادم الآن هو إنتشار موجة "النحر" إلى جزيرة العرب والمسلمين ـ فضلاً عن غيرهم ـ من التيارات الإسلامية المتطرفة التي تصطاد أطفالنا وشبابنا، بأنَّ نحر من يخالفنا في العقيدة والشريعة والرواية والسنة، لهو شفاءٌ لصدور المؤمنين في أرض الإسلام والمسلمين، والأكثر خوفاً أن تصبح هذه الثقافة والمعتقد لدى أبناء كل الطوائف من المسلمين، وهذا ما ينذر بنكوصٍ تجاه الدين، لدى الكثيرين من الذين يخافون على أبنائهم وأولادهم الإنخراط في هذا الطريق الذي يتم تصويره على أنه طريق الجنة والشهادة. 

إقرأ أيضًا: هل أتاك حديث الشمخاني..؟

في تقديرنا وأمام هول هذه الجريمة التي تهز الحجر قبل البشر، بأن فقهاء المسلمين ومراجعهم وعلمائهم وحكمائهم، يتحملون مسؤولية هذه النظرة بين السنة والشيعة، وهذه الفتاوى والتخبط والصراع الذي يعيشه اليوم المسلمون، ومن ثم إغلاق القنوات الفضائية الشيعية والسنية التي تظهر كل حقدٍ وكراهيةٍ وتأجج الصراع والنزاع بينهم، كأنَّ الذي قتل الصحابة عمر هو شيعيٌ وأنَّ الذي قتل علياً هو سني،وهكذا، كأننا نريد أن نبقى نعيش تاريخ الماضي، والماضي لا يبني حياة لنا ولأولادنا، لأنه موت، والحاضر حياة، وإلا سوف تزيد آلامنا ألماً، وتشتدُّ الكراهية كرهاً، فمن المسؤول عن هذه الظاهرة؟ الفئة الضالة كما أسموها..! أم السلطة السياسية والدينية المختلفة مع هذه الفئة الضالة..! أم الإمبريالية الصهيونية العالمية ونظرية المؤامرات..! أم ثقافة الخوف والقمع والتهديد التي درجنا عليها في أدبياتنا الدينية ورفضنا الآخر..؟؟ 

وأخيراً إلى كل طفلٍ في عالمنا، وإليك زكريا الجابر، سأبقى ألوِّنُ ظل طفولتكم بريشةٍ مقصوفةٍ من خوافي طائر مكة، ويفرك القمر وجوهكم البريئة على كثبان رمالها، وينساب الغمام على طهارة أجسادكم، وتهتز سعف نخيلها على صوت أمهاتكم المكلومة، فيفوح عطرٌ من عيونهن وهنَّ يغسلن بالورد صباح أضرحتكم، وغيمتكم المسافرة إلى سماوات محمد (ص) وإلى جنة الله لتسبح وتُسبِّح مع ملائكته المقربين.