"ولا تُدْخِلْنَا في تجربة، لكن نجّنا من الشِّرِّير ..." (إنجيل متى 6: 13)
 
لا وجود للشرّ ككيان بحدِّ ذاته أو كقوّة. يوجد شرِّير: الشيطان. كثيرون لا يؤمنون بوجود إبليس، ومن يعتقدون بوجوده، بمعظمهم، لا يعرفون من هو وكيف يعمل. لا أحد يستطيع أن يلج عالم الروح إلّا بروح الله الذي يمنح الإنسان تمييز الأرواح (رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس 12: 10).
 
ليس الشر غياب الخير، بل هو كلّ نية وفكر وعمل لا يرضي الله أي لا ينسجم مع وصاياه. الله هو مصدر كلّ خير، إذ "كُلُّ عَطِيَّةٍ صَالِحَةٍ وَكُلُّ مَوْهِبَةٍ تَامَّةٍ هِيَ مِنْ فَوْقُ، نَازِلَةٌ مِنْ عِنْدِ أَبِي الأَنْوَارِ، الَّذِي لَيْسَ عِنْدَهُ تَغْيِيرٌ وَلاَ ظِلُّ دَوَرَانٍ" (رسالة يعقوب 1: 17).
 
* * *
الإنسان بحريته يختار الخير أو الشر، لا بل هكذا يطلب منه الله: "اُنْظُرْ. قَدْ جَعَلْتُ الْيَوْمَ قُدَّامَكَ الْحَيَاةَ وَالْخَيْرَ، وَالْمَوْتَ وَالشَّرَّ، بِمَا أَنِّي أَوْصَيْتُكَ الْيَوْمَ أَنْ تُحِبَّ الرَّبَّ إِلهَكَ وَتَسْلُكَ فِي طُرُقِهِ وَتَحْفَظَ وَصَايَاهُ (...) قَدْ جَعَلْتُ قُدَّامَكَ الْحَيَاةَ وَالْمَوْتَ. الْبَرَكَةَ وَاللَّعْنَةَ. فَاخْتَرِ الْحَيَاةَ لِكَيْ تَحْيَا أَنْتَ وَنَسْلُكَ ..." (سفر التثنية 30: 15 - 19).
 
إذًا، كشف الله للإنسان الخيارات التي أمامه ليسلك فيها بوضوح. الوصية الإلهيّة هي الفصل بين الخير والشرّ. وصية الله حياة وخير وما ليس هي شرّ وموت. لماذا؟! ... لأنّ "الله محبَّة" (رسالة يوحنا الرسول الأولى 4: 8). الإنسان مقسوم على نفسه، بعد السقوط، في داخله وفي علاقته مع ما هو خارجه. يعاني الإنسان في كيانه ماذا يختار وكيف يختار. هو يتصارع مع نفسه، تراه يختار الخير فيصنع الشر عوضًا عنه ولا يعرف السبب!... " لأَنِّي لَسْتُ أَعْرِفُ مَا أَنَا أَفْعَلُهُ، إِذْ لَسْتُ أَفْعَلُ مَا أُرِيدُهُ، بَلْ مَا أُبْغِضُهُ فَإِيَّاهُ أَفْعَلُ (...) لأَنِّي لَسْتُ أَفْعَلُ الصَّالِحَ الَّذِي أُرِيدُهُ، بَلِ الشَّرَّ الَّذِي لَسْتُ أُرِيدُهُ فَإِيَّاهُ أَفْعَلُ" (رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 7: 15 و19).
 
مسألة الخير والشر ليست مسألة خارجة عن كيان الإنسان أو صراع آلهة كما هو راسخ في ذهن الكثيرين. الله هو الخير المطلق، وكلّ ما صنعه الله "حسن" لا بل إنّ الإنسان "حسن جدًّا" (راجع: سفر التكوين الاصحاح 1). النقطة الأساسيّة هي ما الذي يريد الانسان أن يختاره، وكيف يبني خياراته وعلى أية أسس؟!
 
* * *
 
مقاييس الأعمال في عين الله مقاصدها، فقد يصنع الإنسان عمل خير في الظاهر ولكن قد يكون هذا العمل مرفوضًا عند "العالم بخفايا القلوب"، إذ يصير الحكم على الغاية المُضمَرة في قلب الإنسان وليس الظاهرة. قد يستطيع الإنسان أن يخدع نفسه ولكن هل يظنُّ فعلًا أنّه قادر أن يخدع الله "فَاحِصَ الْقُلُوبِ وَالْكُلَى"؟!... (سفر المزامير 7: 9).
 
"اَلنَّفْسُ الَّتِي تُخْطِئُ هِيَ تَمُوتُ. اَلابْنُ لاَ يَحْمِلُ مِنْ إِثْمِ الأَبِ، وَالأَبُ لاَ يَحْمِلُ مِنْ إِثْمِ الابْنِ. بِرُّ الْبَارِّ عَلَيْهِ يَكُونُ، وَشَرُّ الشِّرِّيرِ عَلَيْهِ يَكُونُ ..." (سفر حزقيال 18: 20). كلّ إنسان يتحمَّل مسؤوليَّة خياراته في الحياة، صانع الشر يحصد ثماره، وفاعل الخير يجتني أغلاله. "مَكْرَهَةُ الرَّبِّ طَرِيقُ الشِّرِّيرِ، وَتَابعُ الْبِرِّ يُحِبُّهُ" (سفر الأمثال 15: 9). لا محاباة عند الله، الشرير ممجوج عنده والصِّدِّيق محبوب. لا خلطة بين الخير والشر في ميزان الله. الشر يجلب العقاب والخير له ثواب. في الحبّ اللامحدود لله الرحمة جوهر العدل في التوبة. فقط بالتوبة يقدر الإنسان أن يغلب الشرير الذي يحاربه ليبعده عن الله. الغلبة النهائية محسومة، إذ لا مجال للمقايسة بين الخالق والمخلوق، بين الله الخير والحب وبين الشيطان والإنسان الشرير، الله هو الغالب أبدًا، و"مَنْ يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَجْلِسَ مَعِي فِي عَرْشِي ..." (سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي 3: 21).
 
المتروبوليت أنطونيوس (الصوري)