في أي اتجاه ستمضي الحكومة الجديدة؟
 

لم تكد حكومة الوحدة الوطنية الأولى بعد الإنتخابات النيابية الأخيرة تبصر النور، بعد طوال انتظار، بتركيبة سياسية – ميثاقية استنسخت التركيبات السابقة مع تعديل في أكثر من نصف الأسماء، برئاسة الرئيس سعد الحريري ومباركة رئيسي الجمهورية ومجلس النواب، وغالبية الأفرقاء اللبنانيين، حتى وجهت هذه الحكومة بعصف سياسي اعلامي داخلي لم يكن متوقعاً.

هذا في الداخل، أما في الخارج، فلم يكن جديداً موقف الادارة الاميركية، كما وإسرائيل في الطعن بشرعية الحكومة اللبنانية ووطنيتها واستقلاليتها، وقد دخل بنيامين نتانياهو على الخط، متهماً حزب الله بالسيطرة الفعلية على الحكومة ليخلص قائلاً أن هذا يعني أن ايران تسيطر على هذه الحكومة؟! مما لاشك فيه ان لبنان يقف اليوم امام خيارين إما الاصلاح أو الانهيار وما بين الأزمات الداخلية المتفاقمة والرياح الخارجية التي تضرب بين حين واخر.

هل ما زال امام هذا الوطن متسع من الوقت لتلقي الإشارات الإقليمية وضغط الخلافات أو فرط التحالفات بين الأفرقاء؟ ما زال لبنان يقاوم.

إقرأ أيضًا: فرنسا تحذر... والحريري إلى الحسم

إلى متى يستطيع الاستمرار في هذه المقاومة في غياب من يدعم فعلًا، عربياً ودولياً؟ ان حصول حزب الله وحلفاؤه على أكثر من نصف المقاعد الوزارية في الحكومة الجديدة، التي طال انتظارها، حسم نظرة الولايات المتحدة إلى لبنان، الذي لم تعد تراه سوى دولة حزب الله.

ووضع هذا المكسب السیاسي للحزب، وتحدیداً تعیین أحد الموالین له وزیرا للصحة، القوى السیاسیة الموالية لواشنطن في سلة واحدة أمام أي تداعیات محتملة، وتحولت تلك القوى بنظر واشنطن الى أداة لتغطیة الحزب الذي يراهن علیها لحمایته من تلك التداعیات، نظرا لصعوبة الفصل بینه وبین الدولة.

وأكد هذا المنحى قبل فترة وجيزة مساعد وزیر الخزانة الأمیركیة لشؤون مكافحة تمویل الإرهاب مارشال بیلینغسلیا، الذي قال صراحة إن أمريكا ستحّمل كل لبنان المسؤولیة وبعد قطاع المصارف، تتحول وزارة الصحة اللبنانیة إلى ساحة معركة أخرى للعقوبات الأمیركیة فيما یشبه معركة القط والفأر.

ولیس من المبكر الخوض في هذا الكلام، وقد سُجلت منذ الیوم الثاني لإعلان الحكومة الجدیدة استعدادات في وزارة الخزانة الأمیركیة لرصد اي انتهاكات لاستخدام أموال الوزارة بما یخالف العقوبات الأمیركیة المفروضة على حزب الله المصنف أمیركیا منظمة ارهابیة. 

إقرأ أيضًا: كيف ستقارب الحكومة الاستحقاقات الاتية؟

في هذا السياق، لم تستبعد أوساط مطلعة في واشنطن على صلة بالملف اللبناني، أن تطال العقوبات قطاع الصحة اللبناني، مع خیارات تتراوح بین خفض التمويل الأمريكي للوزارة ومنع الادوية والضغط على دول ومنظمات مانحة أخرى كمنظمة الصحة العالمیة لوقف التعامل مع الوزارة. وعلى الرغم من تطمینات المسؤول الامريكي بأن واشنطن لن توقف دعم قطاع المصارف، ما دام ملتزماً بشروط واشنطن لوقف استخدامه من جانب حزب الله في عملياته المالية، ومن عدم وقف دعم الجيش ؛ فإن التحذيرات كانت واضحة بأن الأمر مرهون بما سيحصل على الأرض، وهكذا بات لبنان كل لبنان تحت المجهر الاميركي.

في المقابل، ترى تلك الأوساط أن ولادة الحكومة بعد تسعة أشهر لا یخرج عن سیاق المشهد في المنطقة، بحيث تزامن مع افتتاح فرنسا وانكلترا والمانيا الية مالية  للتعامل التجاري مع ايران لتفادي العقوبات على طهران.

وترى كذلك أن ايران سمحت بتاليف الحكومة في اطارمقاربات جديدة لها تأخذ في الحسبان إرسال رسالة بناءة قبل اجتماع وارسو منتصف الشهر الجاري، والذي سيناقش دورايران في المنطقة، واعطاء فرنسا جائزة ترضیة لها في لبنان، مقابل انشاء الالية المالية. والأهم من ذلك هو حسابات إيران داخل سوريا، بعدما اتضح أن الانسحاب الأمريكي بات مستبعد، وقد لا يتم مطلقاً كما كانت تشتهي طهران، وهو ما أقنعها بعدم الدخول مبكراً في معارك سياسية لحسم شكل الحكم السياسي في كل من سوريا ولبنان ومواقع حلفائها فيهما.