صحيح أنّ ولادة الحكومة استغرقت تسعة أشهر، لكنها وُلدت مشوّهة. حكومة «عجيبة»، مرشّحة لكي تدخل كتاب «غينيس» في أكثر الارتكابات ومشاهد «الأكشن» المبهِرة للنظر، والسمع، وحتى المنطق.
 

لم تنتظر الحكومة تلاوة مراسيمها في القصر الجمهوري، لكي تدشّن مرحلة «الفاولات». كانت البداية مُبكرة جداً. ولا أحدَ معفى من «إثمها».

أولى تلك «الارتكابات» سجّلها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط حين أودع أسماء «وزرائه الملوك» في عهدة رئيس الجمهورية ميشال عون ليختارَ «مفضَّله»، حيث رسا الخيار على صالح غريب الذي سرعان ما انكشف «الخمار» عن هويته، لتظهر «ارسلانيته».

ثاني تلك «العجائب» وُثّقت يوم استدعى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع مشاريع وزرائه للاحتفاء بهم وشرب أنخاب «الشمبانيا» بعد تسليم أسمائهم إلى رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، بينما مشاورات التأليف لا تزال في غرفة العناية الفائقة تنتظر «تدخّلاً إلهياً».

أما ثالث تلك «الالتباسات» فكانت في المؤتمر الصحافي لرئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل حيث بدت إطلالة الأخير أشبه بإعلان البيان الوزاري لـ»ثلث الحكومة»، ما استدعى اشتدادَ النيران على الجبهات السياسية، كون باسيل لم يتمكّن من ضبط رسائله، فتطايرت يسرةً ويمنةً ولم توفّر صديقاً أو خصماً.

ليس هذا فقط، فإنّ تسجيل «التيار» سابقة إلزام وزرائه الثمانية الحزبيين وغير الحزبيين، بكتابة استقالاتهم للاحتفاظ بها، ستدخل التاريخ حتماً. في إستطاعة العونيين أن يدافعوا بمقدار ما يشاؤون عن هذه الخطوة في كونها سلاحاً يُراد منه منع الوزراء من الوقوع في «خطايا السلطة» أو من التراخي في العمل. ولكن لن يكون في استطاعتهم دحض المقولة التي تتّهمهم بتحويل الوزراء مجرّد موظفين، بعد تجريدهم من موقعهم السياسي الذي منحهم إياه «اتفاق الطائف» والذي أناط السلطة التنفيذية بمجلس الوزراء مجتمعاً.

رابع تلك «الهفوات» ما أقدم عليه وزير العمل كميل أبو سليمان عبر دخوله جلسة لجنة البيان الوزاري بلا «إذن أو دستور» لكي يساندَ «رفيقته» مي شدياق مدعوماً بـ»حصانة» خبرته في مجالي المال والنقد. وحُلّت الإشكالية على الطريقة اللبنانية بمعزل عمّا يقوله «الكتاب» الذي عبّرت عنه قرارات مجلس الوزراء في جلسته الأولى.

عملياً، يتصرّف كل فريق سياسي على أنّه «بيّ» الحكومة. باسيل سارع إلى تصويب خريطة عملها، فيما الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله تمنى توزيع جدول أعمال جلسات مجلس الوزراء قبل مدة على الوزراء ليتسنّى لهم درسه. أما رئيس الحكومة، فمكتفٍ بـ»التوترة» ومساجلة جنبلاط حول «الاضطرابات في الحسابات»، بعدما كان الأخير لمّح إلى «عمى المال والحكم».

وكلها قرائن ودلائل حسّية تُثبت «بالوجه الشرعي»، استثنائية هذه الحكومة. يكفي الإتّكال على مفردات تغريدات الحريري وجنبلاط لرسم «بورتريه» الحكومة وتشريح طبيعتها وتالياً معرفة دورها المستقبلي. يقول المطلعون على خط «بيت الوسط» - المختارة إنّ ما يحصل بينهما لا يُنذر بمسارٍ هادئ على طاولة مجلس الوزراء، لا بل «الآتي الأعظم».

بهذا المعنى تُفهَم أسباب «فورة» بركان جنبلاط في الأيام الأخيرة، والتي لا تستهدف الحريري فقط، كما يقول قريبون من «اللقاء الديموقراطي»، وإنما لا تعفي باسيل من موجباتها أيضاً... على الرغم من محاولات التهدئة التي بدأت أمس.

حسب هؤلاء فإنّ التشكيلة الحكومية أخرجت الزعيم الدرزي من طوره وقد تُفقده هدوءَه أكثر اذا لم تطوَّق أسبابها. لكنّ المشكلة تكمن، في أنّ بعض تلك الأسباب، صار أمراً واقعاً لا يمكن تجاوزه!

ويشير القريبون إلى أنّ جنبلاط «صُعِق» بالتشكيلة الحكومية، ورأى فيها «استهدافاً شخصياً» له، وهو الذي كان يعتقد أنّه «سلّف» العهد منذ قرّر مهادنته، وصولاً إلى مسارعته الى تقديم أولى التنازلات من خلال التخلّي عن وزيرٍ صافٍ له، ما اعتُبر كسراً للحريري ولجعجع يومها في معركة التأليف.

وإذ بالحكومة تتضمّن وزيراً كاثوليكياً مشاغباً، لشؤون المهجرين من منطقة الشوف، ما يُعتبر من الحساسيات التي يعرفها أبناء المنطقة وحدهم. أضف إلى وزير درزي لشؤون النازحين، وصفه جنبلاط بـ»السوري»، قد يزيد في نظره من حدّة الاصطفاف العمودي بين الموحّدين الدروز إزاء الملف السوري. ما رفع من منسوب توتره هو إدراكه أنّ «حزب الله»، الذي سبق له أن وقف الى جانبه في الاستحقاق النيابي، لن يتمكّن من مجاراته في ملف النازحين كونه قضية حيوية بالنسبة اليه لا تنازل فيها أو مراعاة وهو أول المطالبين بعودة النازحين الى سوريا.

أكثر من ذلك، رصدت رادارات جنبلاط تفاصيل غير مرئية وغير حكومية في «تفاهم باريس» الذي جمع الحريري وباسيل، تناولت ملفات استثمارية أطلّت برأسها من معمل دير عمار، لتراكم الملفات الخلافية بين حليفي السنوات الـ14 الأخيرة.

وما زاد من خشيته هو احتمال أن تكون مفاعيل التفاهم طويلة الأمد، بمعنى أن تطاول مسائل حيوية واقتصادية، خصوصاً وأنّ المعلومات المتداوَلة تفيد أنّ الاتفاق لم يوفر ملف التعيينات الادارية والعسكرية المرتقبة، الذي قد يبقي الزعيم الدرزي خارجه، لا بل وحيداً، بعدما تناهى إلى مسامعه أنّ قوى سياسية أخرى لم تكن بعيدة عن «نِعَم» التفاهم.