بعد السجال العنيف بين الرئيس سعد الحريري ورئيس «الحزب التقدمي الإشتراكي» وليد جنبلاط، حصلت اتصالات أنتجت هدنة إعلامية لن تكون بالضرورة هدنة سياسية، وقد تبلّغ نواب الطرفين وقف السجال، علماً انّ كلّاً من الحريري وجنبلاط توقفا عن التراشق الكلامي الذي يسجّل للمرة الاولى في علاقتهما منذ العام 2005.
 

بعدما طفح الكيل الجنبلاطي من فريق رئيس الجمهورية ميشال عون، تعمّد جنبلاط ان يصوّب في اتجاه الحريري ويحمّله مسؤولية تفاهمه مع الوزير جبران باسيل والذي دفع ثمنه في الانتخابات النيابية، وفي تأليف الحكومة. كلّ ذلك على وَقع «أوركسترا» تحالفات يتم تركيبها في وجه جنبلاط الذي يقرأ أنها رسالة من النظام السوري.

يمكن الاستخلاص من الهجوم الجنبلاطي والرد الحريري غير المتوقع، أنّ التسوية التي أدّت الى انتخاب عون برُكنيها المسيحي والسني باتت أكثر متانة، وهذا ما هَمّش حضور جنبلاط و»القوات اللبنانية»، ووضعهما في حال استنفار مُعلن وغير معلن، تَحسّباً من أن تأكلهما التسوية تدريجاً وتضعهما في مرتبة ثانية وثالثة، واذا ما دُرِسَت مرحلة ما قبل تأليف الحكومة يمكن ملاحظة هذا التهميش.

بالنسبة الى جنبلاط كان تأليف الحكومة ترجمة لنتائج قانون الانتخاب، وقد استمع الى نصيحة النائب جميل السيّد «على كأس نبيذ»، وزار بعبدا واضعاً أسماء وزرائه في تصرّف عون وليس في تصرّف الرئيس المكلف سعد الحريري، ولا في عهدة رئيس مجلس النواب نبيه بري. وتفيد المعلومات انّ فريق رئيس الجمهورية أخَلَّ بالتسوية، فتم اختيار الإسم الدرزي الثالث من غير الأسماء التي قبل بها جنبلاط، وهذا كان أحد أسباب الاستنفار الجنبلاطي المتراكم.

وقد سبق اعتراض جنبلاط على تأليف الحكومة، كثير من الاحداث التي نَبّهته الى ما يُحضَّر له، من حادثة «الجاهلية» ومرور موكب أنصار الوزير السابق وئام وهاب في المختارة، الى دعوة شيخ عقل الطائفة الدرزية المناوئ له الى القمة العربية، وكلها أسباب حتّمت عليه رفع وتيرة خطابه الى الحد الأقصى، وكأنه يَستبق بذلك اكتمال الطوق حول المختارة.

ويبقى السؤال: هل تتحول حركة جنبلاط معارضة من داخل الحكومة؟ وهل هناك تنسيق مع «القوات اللبنانية» لتكوين هذه المعارضة؟
تقول مصادر «القوات» انّ زيارة النائب أكرم شهيّب لمعراب (أمس الاول) لم تحمل أكثر من وَضع «القوات» في أجواء حركة جنبلاط، وانّ شيئاً من هذا لم يتم البحث فيه، ما يعني ان لا «القوات» ولا جنبلاط سيرفعان من سقف اعتراضهما لمواجهة تحالف عون والحريري، فهما دخلا الحكومة لأنهما ليسا في موقع الاعتراض على التسوية التي سارا بها، سواء في «اتفاق معراب» أو في تصويت «الحزب التقدمي الاشتراكي» لعون في مجلس النواب.

في المقابل تقرأ أوساط «التيار الوطني الحر» خلفية مواقف جنبلاط، فتضعها في خانة الاستياء من نَيل «التيار» وزارات أساسية، خصوصاً وزارة المهجرين. وتكشف انّ اتفاقاً حصل بين الحريري وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة وباسيل، يقضي بإقفال ملف المهجرين خلال سنة ونصف السنة من خلال تخصيص مبلغ 500 مليون دولار لهذ الاقفال، وهذا ما لم يتحمّله جنبلاط الذي كان قد أعَدّ موازنة تقدّر بمليار ومئة مليون دولار. وتضيف أنّ الوزير غسان عطالله سيوقِف دفع الترميم المُنجز نهائياً، وسيتفرّغ لإقفال الملف، مع ما يعنيه ذلك من نجاح «التيار» في الشوف وعاليه، إذ سيصرف هذا المبلغ بتوازن يعوّض المسيحيين ما خسروه جرّاء سلوك الادارات السابقة لوزارة المهجرين.

وتختم أوساط «التيار» بالتأكيد على أن لا جنبلاط ولا «القوات اللبنانية» سيعارضان العهد او الحكومة من داخلها، فهما يعرفان انّ الحكومة الجديدة بدأت تحظى بغطاء دولي، وتحديداً فرنسي، كما انّ مواقف عربية مرحّبة بتأليفها ستسجّل في قابل الايام.