تشكَّلت الحكومة اللبنانية بعد انتظار تسعة أشهر حافلة بالتعقيدات. وفي تغريدته الأولى بعد التشكيل، قال رئيسها سعد الحريري: «إلى العمل»، وذلك بعد اعتذاره للبنانيين عن التأخير، مشيراً إلى تحديات اجتماعية واقتصادية.

لكن ماذا ينتظر اللبنانيون في هذه الحكومة؟

سؤال طرحته «الشرق الأوسط» وعادت بأجوبة تعبر عن يأس المواطن من إمكانية أي تغيير إيجابي، وبمطالب تقتصر على تأمين الخدمات التي لا جدال في حصوله عليها، ولا تستوجب في الأساس أن تشكل الهاجس اليومي في القرن الحادي والعشرين. والإجماع على فساد السلطة السياسية عنوان يوحد الجميع، كذلك اعتبار قانون الانتخابات «كارثة» رسَّخت استهتار الطبقة السياسية بمطالب الناس.

وتقول المدرِّسة والناشطة فدا عطار: «لا ننتظر شيئاً لأن اختيار الوزراء للحكومة العتيدة يشبه تحريك أحجار الشطرنج، وكل وزير سيكون رهن إرادة مَن وزره. ولن يحقق تغييراً مفيداً. الوزراء لم ينتفضوا إلا إذا انتقد خصم سياسي زعيمهم. البلد أصبح خراباً. لكن إذا أسعفنا الحظ ببعض ذوي الاختصاص، وتمكنوا من القيام بواجباتهم بمعزل عن التجاذب السياسي، فقد يحدثون فرقاً».

إلا أن الباحث الاقتصادي والأستاذ الجامعي إياد الخليل يشرِّح «فساد منظومة أهل السلطة»، فيقول إنه «لا يتوقع كثيراً من تشكيل الحكومة، وإن كانت ستنتج استقراراً سياسياً. القوى الممسكة بالسلطة لم تتغير، ولا مصلحة لها لتحسين النظام الاقتصادي والاجتماعي والضريبي. ولعل أموال مؤتمر (سيدر) ستسهم بتحسين البنى التحتية وتؤثر إيجاباً على الاقتصاد». ويرى الخليل أن «مكافحة الفساد شعار لا محتوى له، لأن المنظومة لا تزال على حالها. الضرائب قليلة أو شبه معدومة على أرباح الأثرياء والقطاع المصرفي، مع الإشارة إلى أن المصارف ليست قطاعاً خاصاً إذا أخذنا بالاعتبار أن 58 في المائة من توظيفاتها هي سندات خزينة وشهادات إيداع، والنسبة الأكبر من إيراداتها تأتي منهما. بالتالي هي مرتبطة بالقطاع العام وتنهج سياسة القطاع الخاص، ولا تدفع ضرائب عادلة على هذه الإيرادات. كما أن الفاتورة التراكمية لفوائد الدين العام التي تعود إلى المصارف، تفوق بأضعاف فاتورة البنى التحية وصيانتها وتطويرها. وهذه السياسية المالية هي قمة الفساد». 

من جهتها، ترى رويدا أبو الحسن، وهي ربة منزل وناشطة اجتماعية أن «الوقت أصبح متأخراً لينتظر اللبنانيون شيئاً من هذه الطبقة السياسية التي سيعمل من فيها ليملأ جيوبه من المال العام. الموظفون الكبار تابعون لمافيات السلطة، لذا لا محاسبة».

ويرى الناشط حسين عز الدين، من صور في جنوب لبنان، أن «اللبنانيين يعيشون على أمل أن يستعيدوا الأمل بإمكانية إعادة تكوين الدولة ومؤسساتها. والحكومة المرتقبة ستشهد تناغماً في شهرها الأول، ثم تبدأ الخلافات على مغانم السلطة، وستذهب الأموال إلى جيوب المحاسيب والمشاريع الخاصة بهم. نحن لا نريد مساعدات من مؤتمر (سيدر) وغيره، لأنها ستسهِم بإغراق البلد بالدين وتعويم هذه الطبقة السياسية الفاسدة».

وداد، مديرة مؤسسة تهتم بالشأن الثقافي، تنتظر العدل والحقوق المتساوية للجميع. وتقول إن «الفوضى والمحسوبيات هي السائدة. من لديه مركز لديه أفضلية. والمواطن لا يجد من يحميه. ومن لا يجلس في ديوانية أحد الزعماء لا سند له». وترى وداد أن «المنتظر تغيير الطبقة السياسية ليتمكن المواطن من تحصيل حقوقه، ومساءلة المسؤولين».

أما المدير التنفيذي للمركز اللبناني للبحوث والدراسات (Politicat) طوني حبيب، فيفترض أن «المنتظر من الحكومة معالجة الوضع الاقتصادي، لأن الحالة المعيشية للمواطن لم تعد تحتمل. كما أن التركيبة السياسية تجعل الأمل بمعالجة الأزمات الكبرى، كالسلاح خارج الدولة، ليست واردة». ويلفت حبيب إلى أن «قانون الانتخابات كرَّس اكتفاء الكتل البرلمانية بحلول سطحية، وإلغاء كل مَن لا يدور في فلكها».

المدير التنفيذي لـ«شبكة المنظمات غير الحكومية العربية للتنمية» زياد عبد الصمد، وفي قراءة لأجوبة الناس، يقول لـ«الشرق الأوسط»: «السلطة نجحت في اقتصار مطالب المواطن على قضايا لا تستدعي النضال، عوضاً عن مطالبته بتحسين الدولة ومؤسساتها. أوصلوه إلى مرحلة من اليأس، وذلك نتيجة الممارسات الحاصلة وغياب المساءلة».

ويعتبر عبد الصمد أن «هذا تعبير عن الانحطاط الذي نحن فيه. وفي حين لا ينفرد لبنان بمروره بأزمة اقتصادية أو سياسية، إلا أن المؤشر السيئ هو ابتعاد المواطنين عن السياسة وتسليمهم بالأمر الواقع واستقالتهم من دورهم.».
أما أستاذة علم الاجتماع الدكتورة فهمية شرف الدين، فتعتبر أن قراءة هموم اللبنانيين لها وجهان. وتقول: «يواجه اللبنانيون ظروفاً سيئة. وأنا كمعارضة أعتبر أن المسؤولية تقع على السلطة السياسية التي لا تريد تحقيق القليل من المطالب».