ينتظر لبنانَ في آذار المقبل مؤتمرٌ دوليٌّ جديد، مؤتمر «بروكسيل 3» من أجل تخفيف أعباء النزوح السوري عنه، في حين أنّ الرهان على حصد مبالغ مالية كبرى من هذا المؤتمر ليس واقعياً، خصوصاً أنّ الدعم الدولي بات مشروطاً بإبقاء النازحين في دول الشتات ريثما ينضج الحلُّ السياسيُّ الشامل.
 

تتفاقم المخاطر التي تضرب الجسمَ اللبناني، والأخطر هو التأقلم مع ما تريده الدول الكبرى، أو بالأحرى سقوط مصطلح «العين تقاوم المخرز»، وذلك لكي لا نظلمَ السلطة اللبنانية الحاكمة التي تحاول منذ سنوات إنهاءَ أزمة النزوح التي تكاد تسبّب الإنهيار.

ومن أبرز تجلّيات «الأمر الواقع» الإقليمي والدولي هو تقبّل الحكومة اللبنانية فكرة «العودة الطوعية» للنازحين السوريين بدل العودة الفورية والآمنة. هذا الأمر يؤكّده لـ»الجمهورية» أحدُ أبرز الوزراء العاملين على خط إنعقاد مؤتمر «بروكسيل 3». 

والتبريرُ الرسمي لهذا الموضوع، هو أنّ التوازنات الإقليمية والدولية لا تسمح اليوم بالعودة الفورية والكاملة للنازحين، على رغم وجود مناطق آمنة في سوريا، وبالتالي لا تستطيع الدولة اللبنانية أن تحمل النازحين جميعاً وتضعهم داخل الحدود السورية، مع العلم أنّ النظام السوري يجب أن يكون في طليعة مسهّلي عودة مواطنيه الى بلداتهم ومدنهم.

وفي السياق، علمت «الجمهورية» أنّ لبنان يستكمل إعدادَ ورقته لمؤتمر «بروكسيل 3» الذي حدّده الإتحاد الأوروبي بين 12 و 14 آذار المقبل في العاصمة البلجيكية تحت عنوان «دعم مستقبل سوريا».

وتهدف النسخة الثالثة من المؤتمر حسب الأوروبيين الى جمع خمسة مليارات دولار، للاستجابة لأزمات النازحين واللاجئين السوريين في بلدان اللجوء المجاوِرة، ولا سيما في لبنان وتركيا والأردن. علماً أنّ هذا المؤتمر إنطلق للمرة الأولى في ربيع 2017، ثم عُقدت الدورة الثانية منه في نيسان العامَ الماضي وجمَع المانحون 4.4 مليارات دولار. 

ويذهب لبنان الى المؤتمر بعد إطلاق خطة الاستجابة للأزمة عام 2019 في السراي الحكومي الخميس الماضي، وإعلان رئيس الحكومة سعد الحريري أن لا تمويل يتعلق بالنزوح ضمن الموازنة المقبلة.

ويؤكّد لبنان الرسمي أنه يراهن على هذا المؤتمر لدعم إقتصاده الذي يواجهه خطرُ الإنهيار، وستتضمّن الورقة التي سيرفعها طلب المساعدة في قطاعات التعليم والصحة والكهرباء والبنى التحتية كافة لأنّ حجم الإستهلاك من قبل النازحين كبيرٌ جداً.

كذلك، سيطلب لبنان، إضافةً الى تلبية حاجات النازحين في مجالي التعليم والصحّة، دعم المجتمع المضيف، وهو أمر يجب أن تشعر به الجهاتُ المانحة، لأنّ حجمَ النزوح رفَع منسوبَ إهتراءِ البنى التحتية.

وبعبارة أوضح، إنّ الوفد اللبناني المشارِك سيعيد طرح الورقة التي طرحها العام الماضي في بروكسيل مع إجراء بعض التعديلات الضرورية عليها، والتي تتضمّن متابعةً للظروف التي مرّ بها لبنان منذ العام الماضي، حيث ستكون زيادة الدعم أولوية بالنسبة للبنان، لأنّ الوضع الإقتصادي يتردّى سنة بعد سنة.

ويؤكّد المسؤولون العاملون على هذه الورقة أنّ الحكومة اللبنانية ترغب بعودة النازحين اليوم قبل الغدّ، لكنّ الأجواء الإقليمية والدولية لا توحي بأنّ هذا الأمر قدّ يحصل في الوقت القريب، وهذا الأمر أُخذ العلم به من قبل الدول الكبرى، علماً أنّ المسؤولين اللبنانيين، وعلى رأسهم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس الحريري ووزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، لا يوفّرون في أيِّ لقاء، حضّ رؤساء جمهوريات الدول الكبرى وحكوماتها على مساعدة لبنان للتخلّص من أزمة النزوح.

ويميّز العاملون على إعداد ورقة لبنان الى بروكسيل بين ضرورة المساعدة في هذه اللحظة، والمساعدة من أجل البقاء الطويل الأمد أي التوطين. ويعتبرون أنّ لبنان يستطيع أن لا يطلب شيئاً بالنسبة للنزوح مكتفياً بالمطالبة بعودتهم، لكنّ هذا الأمر قدّ يؤدّي الى انهيار الإقتصاد، فيما المنطق يقول إنه يتوجّب على لبنان طلب المساعدة من المانحين في بروكسيل، وأن يظلّ يطالب في الوقت نفسه بعودتهم لأنّ عدم الحصول على مساعدات لن يكون عاملاً مسهّلاً للعودة.

ولا يبدو الرهانُ اللبناني كبيراً على قمة «هلسنكي» التي عُقدت بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين في تموز العامَ الماضي وعلى بقية الوعود الدولية، إذ إنّ الأجواء الدولية ما تزال سوداوية، في حين أنّ مؤتمر بروكسيل الذي يتوِّج إنصياعَ لبنان لمصطلح العودة الطوعية سيؤمّن دعماً إقتصادياً وليس سياسياً أو يبحث في سبل العودة الفوريّة، بل إنّ موقف المجتمع الدولي واضحٌ في هذا المجال، ولا يريد إجبارَ مَن لا يرغب، بالعودة الى بلاده فوراً.