بسم الله الرحمن الرحيم

الأخوة الإنسانية في الدين

هذا اللقاء الذي يحصل اليوم في مدينة أبو ظبي على أرض دولة الإمارات دولة التسامح الإنساني والتعايش السلمي بين أتباع الديانات والثقافات، والذي يجمع قيادات دينية عالمية في طليعتها قداسة البابا فرنسيس بابا السلام ورئيس مجلس حكماء المسلمين الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب إمام الوسطية والإعتدال، هو لقاء تاريخي يعزز الروابط الإنسانية ويعمل على نبذ ثقافة التعصب والعنف والكراهية من خلال نشره وتجسيده للقيم الروحية الداعية إلى السلم العالمي والحوار والأخوة بين جميع بني البشر.

وفي هذا اللقاء دلالة كبرى على سموّ الإنسان بسعيه عبر الحوار إلى التلاقي والتفاهم مع شركائه في الوجود الإنساني، فإن الحوار بين الشعوب والأمم يعتبر من علامات وسمات الحضارة والرقي، وهو النموذج الذي يجب أن تقوم عليه العلاقات المتبادلة بينهم. ونعتقد أن الأخوة الإنسانية بين البشر هي في جوهر الرسالات السماوية حيث إن الإنسان فيها هو المحور لكل الرسالات والرسل، فلولا وجود الإنسان لم يكن هذا الكون بحاجة إلى إرسال رسلٍ ورسالات .

وكلما تطورت الأنظمة في مجالات العلوم والصناعة تشتد الحاجة إلى الإنفتاح والتواصل بين الدول والشعوب، وهذا ما يتحقق بالحوار الجاد بينها بحثاً عن قيم التسامح والعدل، لأن الحوار الجاد لتلك الغاية السامية هو الذي يضمن استمرار تقدمها ويجنب المجتمع البشري مخاطر التطور في صناعة آلة الحرب المدمرة، وهو الذي يزرع الثقة بينهم ويبدد مخاوف الإنهيار والدمار.

ولا شك بأن القيم الدينية تقوم بدور فعال ومؤثر في هذا الجانب، لأنها مصدر تعليم للإنسان يزوده بالتعاليم المفيدة والإرشادات النافعة في إصلاح مسيرة الحياة الإجتماعية، وهي كفيلة لو طبقها الإنسان في سلوكه بأن تصنع منه إنساناً يسعى إلى الخير العام ويتخلى عن استخدام وسائل الشرّ والخراب، ويزرع بدلاً من ذلك الوئام والإنسجام والسلام بين جميع بني البشر، لأنها تشتمل على قيم روحية ومبادئ إنسانية تنمّي في نفسه عوامل الخير والصلاح وتنزع منها نوازع الشرّ والفساد، فيبتعد بها عن الظلم ويسعى لإقامة العدل وتجعله كارهاً للتّسلّط والإستغلال وحب السيطرة والعدوان.

وبتمسك الإنسان بتلك القيم وتجسيده لها في حياته يستحق أن يكون خليفة الله في أرضه وخلقه.

وفي اعتقادنا أن الحوار بين أهل الأديان والثقافات يجب أن يبتعد عن مسائل أصبحت في ذمة الماضي والتاريخ،  فالذين ارتكبوا المجازر في الحروب هم أنفسهم يتحملون أوزار ما ارتكبوه، ونحن لا علاقة لنا بما جرى،  ولسنا مسؤولين عن ذنوبهم وخطاياهم، وقد جاء ذلك في القرآن الكريم: (تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تُسألون عما كانوا يعملون) (ولا تزر وازرة وزر أخرى).
 

إن وقوع خلافات وحروب في الماضي باسم الدين لا يمكن إنكاره، ولكن الذي يمكننا إنكاره ونفيه هو علاقة الدين بذلك لأن الكتب التي تمثل الدين ترفض الظلم والعدوان وكل تلك الصراعات الدموية بين الأفراد والجماعات البشرية.

وفي هذا الشأن نقول إن الحروب والصراعات وما نتج عنها من المآسي في الماضي، لم تكن بسبب الأديان وإنما كانت بسبب سعي الإنسان لتحقيق طموحاته غير المشروعة للسلطة وأطماعه في السيطرة والنفوذ، وقد ظهرت نماذج لهذه الصراعات منذ زمن قابيل وهابيل وقبل ولادة المذاهب والأديان وبعدها.

 وعلى سبيل المثال فقد أزهقت الحربان العالمية الأولى والثانية من الأرواح البشرية ما يقارب المئة مليون قتيل والأسباب لم تكن دينية، وإن تم استغلال الأديان أحياناً في بعض الحروب بالباطل والتلاعب بنصوصها وتشويهها من أجل تبرير ارتكاب تلك المنكرات باسم الله والدّين.

فالمسيحية ليست مسؤولة عما جرى من حروب باسمها، والإسلام ليس مسؤولاً عما جرى من حروب باسمه. 

فالإنجيل الذي يقول: (لا تقتل)، كيف يكون مسؤولاً عن القتل! والقرآن الذي يقول: (ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) و(من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً)، كيف يكون مسؤولاً عن القتل والعدوان؟! إنها مسؤولية الإنسان الذي ابتعد بأطماعه وخطاياه عن تعاليم الله، وإنها جنايات وجرائم الإنسان الذي استغل الدين المقدس لمآربه فَحَوَّلَهُ إلى أداة من أدوات تعبئة النفوس بالكراهية والبغضاء وزرع الفرقة بين الناس باسم الله والدين ليصل إلى أهدافه غير المقدسة من السيطرة والزعامة والتّوسّع والتسلط على الآخرين.

وإننا بالعودة إلى تعاليم الدين نجد أن الدين ينطلق في نظرته إلى الإنسان من خلال إنسانيته التي يتساوى فيها أفراده بعيداً عن النظر إلى انتماءاتهم العرقية واختلافاتهم في اللغات والألوان والثقافات والديانات.

وهذا التعدد في الأفراد والجماعات والتّنوّع في الأعراق والديانات والثقافات وإن كان يعني وجود المختلفين فيها واقعاً وحقيقةً، ولكنه لا يعني بالضرورة تفاضلاً وامتيازاً لعرق على آخر، ولا لذي لون على ذي لون آخر، ولا لذي لغة على ذي لغة أخرى، لأن معيار التفاضل في نظر الدين ليس في تلك الاختلافات والانتماءات، فهم جميعاً يرجعون في الخلق إلى أصل واحد، كما ورد في الحديث: (كلكم لآدم،  وآدم من تراب).

-الناسُ من جهةِ التِّمْثَالِ أَكْفَاءُ / أبُوهُمُ آدمٌ وَالْأُمُّ حَوَّاءُ

فإن يكنْ لهمُ من أصلهم شرفٌ / يفاخرون به فالطينُ والماءُ

 ويرى المتتبع للتعاليم الدينية في الكتب السماوية دعوتها الواضحة إلى الأخوة الإنسانية بين جميع بني البشر لتساويهم في أصل الخلق والتكوين.

فكل فرد من البشر هو مساوٍ لغيره ومعادل له في الإنسانية الموجودة في أفراد الأمم والشعوب على حدٍّ سواء، وقد ورد في القرآن الخطاب لكل الناس: ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا). وورد في الإنجيل