في الذكرى السنوية للشهيد الشيخ خضر طليس: الحقيقة كما لم تنشر من قبل، وكلام يقال للمرة الأولى.
 

قبيل استشهاده بساعات ألقى الشهيد السيد عباس الموسوي خطابه الشهير من بلدة جبشيت الجنوبية خلال إحياء ذكرى الشيخ راغب حرب، ومن هناك أعلن أن قيادة المقاومة ستحمل لواء المستضعفين ورفع الحرمان كما حملت لواء القتال ضد اسرائيل، واعتبر أنّ الأمرين متساويان من حيث الأهمية.

هذا التوجه الذي أعلن عنه السيد الموسوي جاء في وقت كان عود المقاومة طريا وسلاحها متواضعا ومالها عزيزا، ولم يكن أحد في الداخل اللبناني ليجرؤ على الوقوف الى جانبها الا قلة قليلة ممن كان لهم تجارب سابقة في العمل المقاوم، ويومها اعتبر بعض الأقربين أن عين المقاومة لا يمكن أن تقاوم المخرز الاسرائيلي.

استشهد السيد الموسوي فتم تنصيب السيد حسن نصر الله مكانه بعدما كان خضع في ايران لدورات امنية وعسكرية مكثفة، وسرعان ما بدأت المقاومة في عهده تأخذ منحى خطيرا بعيدا كل البعد عن هدف التأسيس، وبدا أن نصر الله هو الابن المطيع للايرانيين الحاضر دائما للتضحية بنفسه وشعبه وبلده لأجل مصلحتهم تحت عناوين دينية براقة، وهو لم يتوانَ عن المجاهرة والتفاخر بهذا الأمر في بعض خطاباته الحماسية حين قال أنه جندي في حزب ولاية الفقيه، وأن امواله وسلاحه واوامره كلها بيد المرجعية الايرانية.

وصار السلاح في عهده غاية تسخر لها كل الوسائل والغايات، وتسفك دونها الدماء وتنتهك الاعراض، وهو لم يخفِ هذا التوجه حين قال يوما أن "من يريد دما فليأتِ الينا، ومن يريد وظيفة او مالا او دنيا فنحن لا نملكها".

وسرعان ما برز في صفوف الحزب جناح أمني خاص مرتبط بالمخابرات الايرانية كان يرأسه عماد مغنية ويعاونه مصطفى بدر الدين، وقد سعى هذا الجناح منذ اللحظة الاولى لقبضه على مفاصل القرار الى العمل على تكريس زعامة نصر الله وتحويل التنظيم الجديد الى تنظيم الرجل الواحد "الملهم المسدد" الذي لا يحمل لشعبه الا "الانتصارات"، وتمّ ابعاد كل من حوله من المؤسسين او تحجيمهم الا من أذعنوا وأعلنوا البيعة المطلقة له. 

وقد برع الجناح في استثمار الاعلام والتعبئة الدينية والحرب النفسية لتحقيق الهدف والتأثير في الجمهور، وتمكن خلال فترة قصيرة من تحويل نصر الله في بيئته الى نصف اله لا يخطئ ولا يسهو ولا ينطق عن الهوى!!!

وفي هذا الاطار يقول احد المؤسسين لقناة المنار أنه بعد انتخاب نصر الله بفترة قصيرة عُقد اجتماع طارئ في مبنى القناة حضره أحد المسؤولين الأمنيين الكبار الذي أصدر أوامره بضرورة اعطاء الاولوية في النشرة الاخبارية للحديث عن الأمين العام ولقاءاته وخطاباته، مع التشديد على عبارة "سماحة السيد".

وبعد ذلك بأيام تم تعميم قرار في الحزب يقضي بضرورة استباق اسم نصر الله بكلمة "سماحة" وذلك تحت طائلة احالة المخالفين الى المكتب التنظيمي.

هناك أدرك الجميع أنهم أمام مرحلة جديدة مختلفة تماما عما سبقها، وأن القيادة في عهد نصر الله ستتحول الى زعامة، وأنه سيبقى أمينا عاما طالما أراد له الايراني ذلك، واصبحت انتخابات الحزب الداخلية مجرد استفتاء شكلي يعيد من خلاله أعضاء الشورى ترسيخ زعامة نصر الله الذي أحاط نفسه بشخصيات مطلقة الولاء له، وأغدق عليهم من المال النظيف والمناصب ما يحفظ به ولاءهم.

ببصيرته المعهودة أدرك الشهيد الشيخ خضر طليس سريعا أن الحزب انحرف عن مساره كحركة ايمانية جهادية هدفها التحرير ونصرة المستضعفين ورفع الحرمان، وأن شعارات السيد عباس الموسوي لا تتلاءم بالنسبة اليهم مع التحولات الجديدة التي جعلت من التنظيم حركة عسكرية وظيفتها حمل السلاح والقتال حصرا.

كما أدرك أن البقاع في التحول الجديد سيكون مجرد خزان للمقاتلين، وأنه لا بدّ لتحقيق ذلك من افقار المنطقة وتجفيف مواردها واغراقها بالفوضى لكي لا يجد الشباب البقاعي ملاذا الا الانضمام الى صفوف الحزب والقتال في صفوفه.

هناك ألقى الشهيد الحجة على قيادة حزب الله التي طالبها بتحمل مسؤولياتها تجاه الحرمان المزمن في البيئة الشيعية خصوصا في البقاع، ورأى أن يتم الضغط على حكومة الحريري الأب في الشارع لتحقيق المطالب، فانقسمت قيادات الحزب بين مؤيد ومعارض، والتزم آخرون الصمت مكتفين بالمراقبة، ولكن نصر الله وفريقه الامني ومن ورائهم المخابرات الايرانية عارضوا الفكرة وهددوا كل من يتبناها، وهم كانوا قد حرصوا على ابعاد الشيخ الشهيد عن الندوة البرلمانية في انتخابات العام ١٩٩٦ خوفا من ادائه السابق الذي جعل منه قائدا بقاعيا يلتفّ حوله الناس.

إقرأ أيضًا: بعلبك صامدة كقلعتها وسيسقط الفاسدون بشرّ أعمالهم

على ضوء تلك التحولات الخطيرة انطلقت الثورة من البقاع عام ١٩٩٧، وكان الشيخ خضر طليس رأس حربة فيها، وهي ثورة سرعان ما لاقت التفافا شعبيا كبيرا خصوصا من البيئة البقاعية التي استشعرت أنها باتت مستبعدة عن حقوقها، وان القرار في تحويلها الى مجرد خزان للمقاتلين قد اتخذ.

خاف نصر الله وفريقه الأمني على تنظيمهم، وشعروا أن البساط سيسحب من تحتهم، فبادروا الى اعداد تقارير مفبركة ارسلت الى المرجعية في ايران يشرحون فيها ما اعتبروه خطورة التحرك على المقاومة، وادعوا أنه سيشق الصف الشيعي، مع ان الثورة يومها كانت تحمل أعلام حزب الله وصور الخميني والخامنئي في دلالة على ان مطلبها واضح، وانها جزء من المقاومة وليست خصما لها، ولكن المكر قد سبق، وسرعان ما جاءت الفتوى ينقلها أبطحي آنذاك، وبدأ الاعداد لعملية القتل التي حازت على غطاء شرعي من الفقيه الايراني الذي حَكم بما أملى عليه عقله الضعيف ونظره القاصر.

جاء الأمر الذي لطالما انتظروه بأن اقتلوا ولا تحزنوا ففي ذلك مصلحة للدين والدنيا، وكان المكمن في حوزة الامام المنتظر في عين بورضاي ظهر الثاني من شباط عام ١٩٩٨.

في ذلك اليوم تلقى الشهيد الشيخ خضر عدة اتصالات تطالبه بالذهاب فورا الى حوزة الامام المنتظر في عين بورضاي لأن عناصر من حزب الله يقودهم المسؤول العسكري في البقاع آنذاك المدعو حسين جميل يونس المعروف ب "أبو جميل" يرافقه مسؤول الأمن التنفيذي المدعو "عباس اليتامى" ويشرف عليهم من غرفة العمليات "مصطفى بدر الدين"، يحاصرونها الى جانب قوة من الجيش اللبناني بعدما دخلها صبحي الطفيلي مع عدد من مناصريه لعقد جلسة لما كان يعرف حينها بمجلس اعيان بعلبك الهرمل.

ادرك الشهيد أنه قد حصحص الحق، وان القوم قد نجحوا في نصب الكمين، وان قرار القتل لانهاء التحرك قد ابرم، فتوجه مسرعا الى الحوزة محاولا منع الفتنة وسقوط الدماء البريئة.

وصل الشيخ خضر الى مدخل الحوزة فاستبشر الجميع الا عناصر الحزب خيرا، وهناك طلب من أحد اصحابه ان يؤمن المنطقة تلافيا للغدر لعلمه بما تم تحضيره، ثم بدأ بالتفاوض مع الضابط المسؤول عن قوة الجيش التي تواجدت في المنطقة، وبدا حينها ان التفاهم بينهما قد حصل حيث اتفقا على ان يفتح الجيش الطريق لخروج الطفيلي وانصاره وتسليم الحوزة للجيش، الا ان قيادة حزب الله التي كان عليها أن تستغل تلك الفرصة الذهبية أعطت الامر لعناصرها بإطلاق النار على الشيخ والضابط من نقاط كانوا يسيطرون عليها في محيط الحوزة ابرزها "تلة ابو مهنا" و"الخشخاشة" ومفرق "سمير العنتوري" ومحطة الوقود التابعة للحزب وغيرها من المواقع، فسقط الرجلان شهيدين، وكان الهدف حينها افتعال فتنة بين الجيش وانصار الطفيلي، وبهذا يقضي الحزب على التحرك بيد الجيش كما هي عادته في مثل هذه الحالات.

في ذلك اليوم الاسود سقطت العمة الطاهرة غيلة مضرجة بدمائها بعدما تلقت رصاصات التكليف الشرعي ممن ظنوا أنهم يتقربون الى الله بسفك الدماء المعصومة.

وليت الجريمة انتهت بالقتل، بل ان ورثة بني العباس استكملوها بحملة اعلامية ممنهجة نفذتها قناة "المنار" التي استهلت نشرتها المسمومة بعد دقائق من استشهاد الشيخ خضر بالقول أنه قد قتل بنار الفتنة التي اوقدها!!!

خبر تلته مزهوة مذيعة ما زالت حتى اليوم تتحفنا بأسلوبها المسموم ولؤمها الظاهر وكأنها كانت في تلك الليلة السوداء تعكس فرحة مشغليها بالجريمة وشماتتهم.

مرت أشهر كان حزب الله يرسل خلالها وفودا مفاوضة الى عائلة الشهيد، ويطلب تبرئته من الجريمة الصارخة خصوصا أن الادلة الميدانية أثبتت بأن القاتل حزبي نفذ امر القيادة.

عضّ أولياء الدم على الجرح بعدما زارتهم وفود لبنانية وايرانية نقلت لهم رسائل من أعلى المستويات في لبنان وايران، واطلقت وعودا بمتابعة القضية، ولعبت على وتر المقاومة وحاجتها الى توحيد الصفوف، وتم الضغط من قبل الحزب على القضاء اللبناني لتجميد الملف الذي أحيل الى المجلس العدلي، وما زال مقفلا حتى اليوم.

يومها حصل تقارب منقطع النظير بين الحزب والحريري بعدما تقاطعت مصالحما في القضاء على الثورة، وتم تنسيق زيارة للحريري الى ايران التقى خلالها السيد خامنئي.

بعدها قرر الحزب احياء الذكرى السنوية الاولى للشيخ خضر في محاولة منه لتكريس براءته من الجريمة أمام الناس، فحضر نصر الله الى حسينية الامام الخميني في بعلبك، ومن هناك ادعى أمام الملأ أن الشهيد بقي ينسق مع الحزب حتى اللحظات الاخيرة قبيل استشهاده!!! 

ولعله نسي ما نشرته قناته في ذلك الحين من اساءة للشهيد، أو انه اراد قتلة مرة اخرى بضرب صورته امام من آمنوا به نصيرا لهم.

اليوم في الذكرى الواحدة والعشرين على الجريمة ما زال دم الشيخ الشهيد يغلي مطالبا بمحاسبة القتلة، وبات كثيرون ممن خالفوا خياراته في الأمس مقتنعون بها اليوم، ومؤمنون بأن حزب السيد يتجه نحو مصير مجهول، وأن سنن الله بدأت تجري على الظالمين، وأن التنظيم واقع بين سندان الافلاس وفقدان شعبيته، و مطرقة الحرب مع اسرائيل لتعزيز فرص ايران التفاوضية وتخفيف الضغط عنها في مقامرة قد تقضي عليه. 

وبات السيد نصر الله محاطا بمجموعة من الفاسدين الذين يعجز عن محاسبتهم بعدما تغوّلوا وتمدد نفوذهم وتراكمت ثرواتهم، وما عاد الجمهور يصدق وعوده بالاصلاح ومحاربة الفساد في الدولة.

أولم يعلموا أن للباطل صولة وأن للحق أبداً دولة؟!!

(وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون والعاقبة للمتقين)