تنفّس اللبنانيون الصعداء بولادة الحكومة بعد طول إنتظار ومخاوف من إنهيارات أمنية ومالية وإقتصادية بفعل الرقص على حافة الهاوية على مدار تسعة أشهر، لكن ذلك لم يمنع من طرح أسئلة محورية شكلت قاسما مشتركا بين الجميع، لجهة: هل تستأهل هذه الحكومة كل هذا الوقت وهذه المخاطر لكي تبصر النور؟.. ألم يكن بمقدور كل الأطراف السياسية أن تتوافق منذ البداية على الصيغة التي إنتهت إليها الحكومة فتوفر على البلاد والعباد كل هذا الفراغ الحكومي وعدم الانتاج في بلد يحتاج الى كل أنواع المبادرات؟.. وهل يستأهل وزير بالزائد وآخر بالناقص، وتمثيل هذا الطرف أو ذاك، والحصول على حقيبة من هنا وأخرى من هناك كل هذه الصراعات والاتهامات وهدر 252 يوما بالمراوحة القاتلة؟.. ثم بعد ذلك ماذا تغير حتى تشكلت الحكومة؟..

تشير المعلومات الى أن قوى دولية مارست ضغوطا كبيرة جدا من فرنسا مرورا بروسيا وصولا الى مصر، وأن قوى إقليمية على رأسها إيران أعطت الضوء الأخضر، فتسابقت الأطراف السياسية المعنية الى تقديم التنازلات، فانخفضت السقوف السياسية، وحلّت العقد، وبات الممنوع مسموحا، ورُفعت النقاط من على الأسطر، فطار الثلث المعطل للوزير جبران باسيل، وتخلى الرئيس سعد الحريري عن معارضته لتوزير حسن مراد ممثلا للقاء التشاوري، وقبِل بوزارة الاعلام بعدما أهدى وزارة التنمية الادارية الى القوات اللبنانية التي بدورها تخلت عن حقيبة الثقافة الى الرئيس نبيه بري الذي منح وزارة البيئة الى التيار الوطني الحر.

وكان واضحا أن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط كان خارج كل هذه الاتصالات، ما دفعه الى التغريد صباحا والتشكيك في إمكانية ولادة الحكومة، من دون أن يوفر الحريري وغيره من الانتقاد، قبل أن يفاجئ بأن ″الديل″ قد ركب، ما دفعه الى الاستدراك مساء وإعلان عن دعمه للحكومة وفق الرؤية والثوابت التي يتمسك بها.

وُلدت الحكومة أخيرا، لكن الخوف من أن تكون هذه الولادة غير مطابقة للمواصفات، ومن أن يعاني المولود المنتظر من تشوهات خلقية نظرا للصعوبات والخضات والأمراض ومحاولات الاجهاض التي واجهتها أشهر الحمل التسعة، ففي الشكل أبصرت حكومة الوحدة الوطنية النور، أما في المضمون فإن هذا الشعار ما يزال ممنوعا من الصرف، في ظل الجزر السياسية التي تتحكم بالحكومة، والصراعات والتجاذبات التي تجعلها أشبه بـ″الفسيفساء″، أو بقطع ″البازل″ غير المنسجمة مع بعضها البعض.

لذلك يتخوف كثيرون من أن تنتقل الخلافات السياسية الى طاولة مجلس الوزراء، خصوصا أن الفترة الطويلة للتأليف وما شهدته من تجاذبات، قد أنتجت أحقادا وكراهية، بدءا بإنقطاع التواصل بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية والذي ترجم بفشل الرئيس الحريري في جمع الوزير جبران باسيل والدكتور سمير جعجع ضمن لقاء واحد معه خلال تواجدهم في باريس، فضلا عن تكرار جعجع يوم أمس لمقولته الشهيرة بأن ″لا يوجد حقائب حقيرة بل هناك أناس حقيرون″، مرورا بالخلاف بين تيار المردة والوزير جبران باسيل الذي سعى بكل ما أوتي من قوة لسحب حقيبة من الأشغال من المردة ولقطع الطريق على الوزير يوسف فنيانوس للحؤول دون عودته إليها، وصولا الى العين الحمراء بين وزراء حركة أمل ووزراء التيار الوطني الحر، وكذلك بين الرئيس الحريري ووزرائه وبين وزير اللقاء التشاوري، وأيضا بين وزيريّ الحزب الاشتراكي وغريمهم ممثل اللقاء الديمقراطي، وبين وزراء حزب الله وبين من يعارضه ويتهمه بالاستقواء بالسلاح للهيمنة على الدولة وعلى الحكومة.

كل ذلك من شأنه أن يجعل كل طرف يخفي الخناجر خلف ظهره بانتظار الفرصة المناسبة للانقضاض على الطرف الآخر، إلا إذا صفت النوايا وتم تكسير هذه الخناجر وسعى الجميع الى وضع المصلحة الوطنية فوق كل إعتبار، وهو أمر لم يظهر خلال التشكيل، وعسى ألا يكون بعيد المنال بعد التأليف.