الأسد ليس سوى طرف في معادلة مجنونة تتحكم فيها أطراف إقليمية ودولية عديدة. عدد من تلك الأطراف يملك من التأثير في عناصر تلك المعادلة ما لا يملكه الأسد الذي غالبا ما يكتفي بتمثيل دور المتفرج المحايد.
 

لا يزال البعض من السوريين يعتقد أن الحل في سوريا يكمن في رحيل بشار الأسد عن الحكم. وهو رأي يبعث على السأم لتصحره وخوائه وخلوّه من فهم التحولات التي شهدتها المسألة السورية عبر ثماني سنوات من الحرب التي عصفت بسوريا. وهي حرب ليست كسواها.

فالأسد، في أرقى حالاته، ليس سوى طرف في معادلة مجنونة تتحكم فيها أطراف إقليمية ودولية عديدة. عدد من تلك الأطراف يملك من التأثير في عناصر تلك المعادلة، ما لا يملكه الأسد الذي غالبا ما يكتفي بتمثيل دور المتفرج المحايد.

ما حدث في سوريا لم يكن صراعا محليا. ما هو مؤكد واقعيا أن سوريا كانت ولا تزال الفريسة التي اجتمعت عليها حشود الذئاب. غير أن أحدا من المنادين برحيل الأسد لا يمكنه القبول بتلك الحقيقة. ذلك في حد ذاته دليل على ما يمكن اعتباره نوعا من العمى السياسي.

قبل ثماني سنوات كان ممكنا القبول بشعار “رحيل الأسد” باعتباره حلا لمشكلات الشعب السوري الذي عانى من تغوّل المؤسسة الأمنية وعبثية هيمنة حزب البعث على الحياة السياسية والفساد الذي وضع السوق في خدمة مصالح عدد من رجال الأعمال الذين يحيطون بالرئيس من أقربائه، ومن يتبعهم من محترفي الاحتيال العالمي.

اليوم لا معنى لذلك الشعار.

مشكلات سوريا لن تُحلّ برحيل الأسد.

وما اختزال تلك المشكلات ببقاء الأسد في السلطة إلا نذير شؤم، حيث قُدر للسوريين أن يمشوا في متاهة لن يتمكنوا من مغادرة دروبها. فمثلما نسي العالم الأسد، كان على السوريين المعارضين أن ينسوه. وإذا ما كان الإرهاب هو اللغز الذي تحاول دول عديدة فك أسراره في سوريا، فقد كان على أولئك السوريين أن يبحثوا عن اللغز الذي ينبغي تفكيك أسراره من أجل أن تتضح معالم قضيتهم.

أما العودة إلى أسباب الخلاف الذي وقع قبل ثماني سنوات فهي تعبر عن السقوط في غيبوبة راهنت على ديمومتها قوى إقليمية ودولية عديدة، منها تلك التي موّلت الجماعات الدينية المتطرفة التي قضت على الثورة السورية حين انحرفت بمطالبها من دولة المواطنة إلى إمارات الشريعة.

كان مؤسفا أن يتبع العقل السياسي عاطفة شعبوية هوجاء.

لذلك فُجع الكثير من السوريين المعارضين حين قررت الدول التي دعمتهم التخلي عن شرط رحيل الأسد وإسقاط نظامه، بل إن بعضها صار يرتب لإعادة سوريا إلى محيطها العربي في محاولة متأخرة للاعتذار.

وهو اعتذار في حقيقته من الأسد وليس من سوريا.

فسوريا كما يعرف المعتذرون لم يبق منها شيء. لقد هُدمت مدنها وشُرّد شعبها واستبيحت قيمها الوطنية، وصار الإيراني فيها يملك كلمة أكثر من السوري، وتمزق نسيجها الاجتماعي، وصارت تركيا تطارد أكرادها الذين صاروا يساومون، من موقع قوة، الحكومة السورية على القبول بهم.

الفوضى التي انتهت إليها سوريا لا تشكل سوى سطح الأزمة العميقة التي تشعبت خيوطها وصار من الصعب الإمساك بالكثير منها من أجل أن يتم التوصل إلى حل يمكن القول معه إن الكارثة المباشرة قد توقفت، وآن الأوان للبحث في تفاصيلها.

فالحرب التي لم تنته حتى هذه اللحظة تركت آثارها ستبقى ماثلة في النفوس ما دامت آثارها باقية أمام الأعين. ولا أعني بتلك الآثار مشاهد المدن السورية المدمرة التي توقف مراسلو الوكالات والقنوات الفضائية عن تصويرها، بل أعني ملايين اللاجئين والنازحين والمهجرين الذين انقسموا روحيا وخياليا ونفسيا ما بين سوريا الأسد التي لم يعد لهم مكان فيها، وبين سوريا التي حلموا بها ولم تقم، بل صارت المستحيل بعينه.

لم يعد سؤالهم يتعلق بأن تقف مع الأسد أو ضده، بقدر تعلقه بما تبقى من سوريا وما امّحى وأين يمكنك أن تقيم. وهو سؤال خيالي واسع لا يجيب عليه رحيل الأسد عن السلطة.