عمل الرئيس سعد الحريري في الأيام القليلة الماضية، على محاربة معطّلي مساعيه بسلاحهم. ردّ على التهديدات بالتهديد، وقابل التحذير بالوعيد. ولوّح بقلب الطاولة ردّاً على إشارات تلقاها عن إمكانية استنزافه وإحراجه لإخراجه. الضغط الذي مارسه الحريري، طوال الأيام الماضية، منذ إعلانه أن هذا الأسبوع سيكون أسبوع حسم مسألة الحكومة.. كان معنوياً. وهو يتماهى مع تكثيف الضغوط الدولية التي وصلت تباعاً إلى لبنان من الغضب الفرنسي، إلى الرسائل الروسية المتكررة، لا سيما بعد فشل الاتصال بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف والوزير جبران باسيل. حزب الله كان ينتظر ويراقب. أرسل رسالة إلى الحريري بأنه يريده ولا يريد التخلّي عنه. لكن في المقابل، كان الحريري يتلقّى رسائل من محيطين بدوائر الحزب حول إمكانية قلب الطاولة عليه.

تفاؤل حذر

قرأ الحريري كل الرسائل، وعرف أن التلويح بالإنقلاب عليه ما هي إلا ممارسات ضغط. هدفها استدراجه إلى الخانة التي يريدون وضعه فيها، أي تشكيل حكومة تلبّي كل شروط الحزب، بمعزل عن الخلافات الباقية لدى الأفرقاء الآخرين، سواء بما يخص إعادة تدوير الحقائب، أو إيجاد حلّ لوزير اللقاء التشاوري. 

صحيح أن الموازين الإقليمية هي التي فرضت تأخيرات متتالية للولادة الحكومية. وصحيح أيضاً أن أياً من هذه العناوين الإقليمية لم تتغير، أو لم يحصل فيها أي طارئ. مع ذلك، خرج الحريري بعد اجتماع "كتلة المستقبل" مشيراً إلى أنه متفائل بحذر. بمعنى أنه يخشى من تكرار العرقلة، على غرار ما حدث يوم إيجاد تسوية بتسمية جواد عدرا، عبر اختراع عقد جديدة، تكون مرتبطة بالوضع الإقليمي.

بالنسبة إلى حزب الله، فطالما أن شروطه كلّها تحققت، فهو بالتأكيد يريد الحكومة، كما الحريري يستعجل ولادتها، وكذلك رئيس الجمهورية. مع ذلك، بقي الحريري على لهجته التصعيدية، بأنه قد يلجأ إلى خطوات مفاجئة. صحيح أن أياً من هذه الخطوات لم تكن تتعلّق بالاعتذار، بل أقصاها هي تسليم الحريري مسودة حكومية جاهزة لرئيس الجمهورية ورمي الكرة في ملعبه، وبالتالي رفع المسؤولية عن نفسه في مسألة التعطيل. وهذه وحدها كفيلة بتوتير علاقته مع عون، وبالتسبب بأزمة كبيرة تطال التسوية الرئاسية، كما أنها ستكشف الجهة المعرقلة والتي ستتمثل بالوزير جبران باسيل، الذي في هذه الحال يكون وحده معرقلاً، إن أقدم الحريري على هذه الخطوة، بعد إنهاء مسألة تمثيل "اللقاء التشاوري".

يرتكز الحريري في رسائله التصعيدية، على جملة مواقف دولية ضاغطة، لم يكن آخرها الغضب الفرنسي، والذي وصل إلى حدّ التحذير بإلغاء زيارة ماكرون إلى لبنان، وتطيير مندرجات مؤتمر سيدر، والخوف من إمكانية تطور الصراع السياسي والإقليمي في المنطقة إلى صراع عسكري، قد يكون لبنان أحد ساحاته. كل هذه الضغوط، بالإضافة إلى الضغوط الداخلية، حفّزت القوى المختلفة محلياً على تكثيف الضغط على بعضها البعض للوصول إلى حلّ معيّن.

عثمان مجذوب

في لقاءات الثلاثاء، استطاع الأفرقاء المعنيون بناء تصور قادر على إنجاز الحكومة، يقوم على مبدأ توزير عثمان المجذوب عن اللقاء التشاوري، وهو مدير مكتب النائب فيصل كرامي، على أن يكون من حصة رئيس الجمهورية، ولكن لا يحضر لقاءات تكتل لبنان القوي. أما في مسألة تصويته داخل مجلس الوزراء، فإن المسألة بقيت عالقة إذا ما كان يصوت إلى جانب رئيس الجمهورية، أو إلى جانب حزب الله وتيار المردة. بكل الأحوال، هذه مسألة لا يمكن حسمها. إذ أن مسألة التصويت ستكون مرتبطة بالحدث السياسي أو وفق نوعية القرار. وفي موازاة ذلك بقي باسيل يحاول إيجاد ممثل آخر للقاء التشاوري يشبه صيغة جواد عدرا. إنما إعادة باسيل محاولة طرح عدرا كنوع من ردّ الإعتبار له،جوبه بمعارضة شديدة. وهذا ما جرى الاتفاق عليه بين نواب اللقاء التشاوري وحزب الله. وفي هذا الوقت، كان الرئيس نبيه برّي يبدي تفاؤله حول ولادة الحكومة هذا الأسبوع، لكن أيضاً بحذر، وإذا ما صدقت النوايا.

أما بشأن إعادة تدوير الحقائب، فإن الرئيس نبيه برّي قدّم التنازل مسبقاً عن وزارة البيئة لصالح التيار الوطني الحرّ، ولكن بشرط الحصول على وزارة الثقافة أو الصناعة، إذا ما وافق وليد جنبلاط، لأنه لا يريد الدخول في إشكال مع الأخير. 

عشاء الأشرفية

الحريري لا يريد الإقتراب من حصة القوات بأي شكل، ولذلك أعاد محاولة إقناع جنبلاط بالتنازل عن الصناعة، خلال العشاء الذي عقد بينهما في أحد مطاعم الأشرفية. وحسب ما تكشف مصادر متابعة، فإن جنبلاط أبدى تفهّماً لوضع الحريري، وأبدى الاستعداد التام لمساعدته على إنجاز الحكومة، خصوصاً في هذا الظرف الدقيق، اقتصادياً وسياسياً. وأكثر من ذلك، اعتبر جنبلاط أنه لا بد من الوقوف إلى جانب الحريري في هذه المرحلة، لأسباب عديدة، ولا يمكن تركه وحيداً، بمعزل عن التفاصيل الحكومية والمحاصصة، لأن المقبل على البلد صعب، والهدف هو حشر الحريري. وهو لا يمكن أن يرضى بذلك، ولا يمكن خسارة الحريري من رئاسة الحكومة. لأن ذلك سيعتبر خسارة للبلد ككل، وخسارة لرمزية يمثّلها الحريري، بمواجهة كل محاولات النظام السوري.

التفهم الجنبلاطي

أبدى جنبلاط تفهماً لمطالب الحريري، ولكنه حاول المطالبة بتعويض عن وزارة الصناعة. فكرر الحريري موقفه، بأنه لا يمكن منحه وزارة العمل، لأنه لا يريد الاقتراب من حصة جعجع الذي تنازل كثيراً، وبرّي يرفض التنازل عن الزراعة. فعرض عليه وزارة العمل. لم يعترض جنبلاط، وكرر الموقف بوجوب مساعدته وأنه إلى جانبه. لكن بشرط أن تولد الحكومة، بمعنى أنه لا يريد التنازل قبل التأكد من أن الحكومة ستولد. كي لا يذهب التنازل هباءً، والحكومة تبقى قيد التعطيل. فيكون جنبلاط قد قدّم التنازل مجاناً، وخسر في المستقبل  جولة مفاوضات جديدة. قال جنبلاط للحريري:" إذا ما كانت ولادة الحكومة تتوقف على موافقتي على ذلك، فلن أعرقل التشكيل، بشرط أن تحلّ كل العقد قبل ذلك."

الحكومة بساعات

إذا ما استمرّت الأمور على إيجابيتها، فإن الحكومة من المفترض أن تولد خلال ساعات. لكن الحذر يبقى واجباً، من بروز عقدة جديدة، أو من عدم اقتناع باسيل بالتنازل عن الأحد عشر وزيراً. وبذلك، يكون باسيل قد تنازل عن الثلث المعطّل لصالح الحصول على 10 وزراء ونصف نظرياً، بينما الحريري لا يكون قد تنازل لتوزير سنّة اللقاء التشاوري، ونجح بتشكيل حكومة من 30 وزيراً بدلاً من 32. أما حزب الله فيكون أبرز المستفيدين، الذي حصل على الحقائب التي يريدها، ولا سيما وزارة الصحة، وتوزير حلفائه السنة والدروز. ولو كان ممثل إرسلان من حصة رئيس الجمهورية، كما احتفظ لتيار المردة بوزارة الأشغال.