استمعت بوضوح الى ما قاله فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عن موضوع الفساد، واستمعت الى كلام السيد حسن نصرالله، والرئيسين نبيه بري وسعد الحريري وايضاً وليد بك، والسيد سمير جعجع وكل الفعاليات والأحزاب الكبيرة والصغيرة في لبنان.
 

ولم أجد اتّجاهاً واحداً ضد موضوع الاصلاحات وبالواقع وبعيداً عن الصراخ والعويل السياسي، لم أفهم أبداً سبب عدم الانطلاق الجدي بموضوع الاصلاحات أقله ببعض المواضيع المتفق عليها من الجميع والتي من الممكن أن تؤمّن خلال سنة 2019 دخلاً قد يصل الى حوالي الملياري دولار من خلال تنفيذ وتعديل بعض القوانين والمراسيم وتنفيذ واضح لا خروج عنه مهما كلف الأمر والقصة بسيطة تتعلق بثلاثة اجراءات جدية من ضمن أكثر من 50 اجراءً كنا قد طرحناها:

-الاول: رسوم مرفأ بيروت ودون الدخول بالتفاصيل وبكل وضوح لا يوجد أيُّ سند قانوني للسماح بلجنة موقتة لاستثمار مرفأ بيروت على مدى حوالى 30 عاماً بفرض ضريبة على حسب نوع البضاعة المستوردة وبالتصرف بالاموال، فالمعروف بحسب الدستور أنّ اموال الضرائب تدخل مباشرة الى مالية الدولة، وهذا مبدأ غير خاضع للحوار، وحيث إنّ هذه الرسوم هي على حسب نوع البضاعة كما ذكرنا فهي تفرض جبايتها لصالح المالية مباشرة. وقد وصلت مداخيل مرفأ بيروت في العام 2017 حوالى الـ400 مليون دولار بحسب المعلومات المستقاة هنا وهناك وذلك لعدم التزام اللجنة الموقتة لإدارة واستثمار مرفأ بيروت قانون الحق في الوصول الى المعلومات ونشر المداخيل والمصاريف بشفافية على موقعها.

- ثانياً: فواتيرالاستيراد المزوَّرة والتهرّب من الضريبة على القيمة المضافة والرسوم الجمركية: اثبات هذا الموضوع بسيط جداً لو نقارن الارقام المنشورة علناً بحجم الصادرات الى لبنان من بلد المصدر بأرقام الجمارك، نجد فوارق مخيفة، الرقابة على الفواتير سهلة في عصر AliBaba و Amazon، الرقابة اللاحقة في هذا السياق اهم وربط الجمارك بمديرية الضريبة على القيمة المضافة في وزارة المالية، ورقابة لاحقة على سعر البيع ( أساليب معروفة ومطبّقة في كل بلدان العالم التي تعتمد الـTVA). مع تخفيض رقم حجم الأعمال للشركات غير المسجّلة الى 15 مليون ليرة لبنانية سنوياً ومنع استيراد كميات تجارية اذا كانت الشركة المستوردة غير مسجّلة في TVA.. وتطبيق ملاحقات قانونية على الشركات التي تتهرّب من الـTVA. وهنا لا بدّ من التوضيح انّ أكثرية اللبنانيين والسياسيين لا يفقهون فلسفة الـTVA فعند التهرّب من الضريبة او دفع ضريبة مخفضة، لأنّ TVA ليست فقط ضريبة عند نقطة الدخول، المفروض أن تدفع عند عملية كل بيع وشراء.. اختفاء التراكمية في الـTVA يسبّب تهرّباً ضريبيّاً عند كل عملية بيع وشراء.

- ثالثاً: الضرائب العقارية: إعتماد تخمين مركزي وقيَم تأجيرية مركزية وتخفيض الضرائب البلدية والمالية على العقارات ورسوم التسجيل الى ارقام منطقية، لأنّ الارقام المعتمدة الآن مبنيّة على فكرة أنه ستتمّ عملية رشوة لتخفيض التخمينات والقيَم التأجيرية حتماً، فنرفعها لانه سيتمّ تخفيضها عبر الرشاوى، ولكن إذا اعتمدنا تخميناً مركزياً وقيَماً تخمينية عادلة وتشمل كل الاراضي اللبنانية، فسترتفع الجباية حتماً وعندها نستطيع أن نمنع الوكالات غير القابلة للعزل أو العادية ونعتمد على تسجيل نهائي للعقار عند كل عملية بيع او شراء، وننتقل الى جباية حديثة للرسم البلدي والمالي التي ستصبح كلها عادلة لأنّ التخمينات المركزية كلها منشورة على موقع المالية. فإذا خفضنا رسوم التسجيل الى 2% للعقارات مادون الـ150 مليون ليرة لبنانية، و3% بين الـ150 مليون ليرة و500 مليون ليرة، و4% ما فوق الـ500 مليون ليرة لبنانية، مع التأكيد أنه توجد ضريبة واحدة شاملة للتسجيل العقاري وعدم اللجوء الى سلسلة ضرائب ورسوم وصناديق وكتّاب عدل وارجو أن لا تنسوا الطوابع الأميرية الخ ...ولقد أصبح اللبنانيون مقتنعين أنّ تعدد الضرائب على خدمة وسلعة معيّنة غير عملي وغير مجدٍ ويفتح أبواب رشوة جديدة.

انتقيتُ ثلاثة ابواب من اكثر من 50 باباً كنت اقترحتها مراراً في السابق، ممكن أن تؤمّن حوالى ملياري دور اضافي للمالية ولا تصيب محدودي الدخل بأيّ شكل من الاشكال بل العكس تؤمّن مدخولاً ضريبيّاً كبيراً وتمنع التهرّب الضرائبي .

والسؤال الكبير هنا اذا كان الكل متفقين على الاصلاح، واذا بالواقع سيتمّ منع معشر الكتبة والفريسيين واصحاب «الجوارير» من السيطرة الاحتيالية والبيروقراطية على السياسة الضريبية في البلد من قبل جيش من المستفيدين المختبئين وراء عباءات عدة يعرفها المواطن اللبناني جيداً، هذا من جهة، أما من جهة أخرى قد أكون أنا الوحيد في لبنان الذي يجرُؤ على المجاهرة بطروحات واقعية بما يتعلق بصناديق التعاضد والمحسومات التقاعدية والمعاش التقاعدي كذلك التقديمات الاجتماعية وضريبة الدخل.

وهنا لا اقترح بل أسأل واتمنى أن تكون الاجابات أو ردات الفعل مبنيّة على الدراسات الاكتوارية وتجارب البلدان الاخرى وعدم اللجوء الى الاتهامات العشوائية لأنني مهتمّ بمستقبل المتقاعد وبديمومة معاشات التقاعد، لذا أحذّر من الوقوع بما وقعت فيه بلدان أغنى من لبنان بكثير تعاني من انهيار إجراءات الحماية الاجتماعية وصناديق التقاعد. وأودّ الاضاءة على النقاط التالية:

- اولاً: أخطر ما تتعرض له الحماية الاجتماعية في لبنان هو عدم التزام الدولة اللبنانية بدفع اشتراكات الضمان الاجتماعي عن موظفيها، وهذه وصلت الى حوالى 4 آلاف مليار ليرة لبنانية حتى اواخر العام 2018. فكيف تمّ تأمين اموال السلسلة لصالح موظفي القطاع العام قبل دفع مستحقات الدولة للضمان الاجتماعي، في القطاع الخاص يدفع صاحب العمل والعامل نسبة 8.5% لقاء تعويض نهاية الخدمة ويقبض عن كل سنة خدمة معاش شهر.
أما موظف القطاع العام فيدفع محسومات تقاعدية 6% ويقبض أضعاف ما يقبضه موظف القطاع الخاص، وهذا تمييز لا يجوز أن يستمرّ، أقترح أن يكون موظف القطاع العام والقطاع الخاص حراً بتوظيف المحسومات التقاعدية او تعويض نهاية الخدمة من خلال عدة صناديق تقاعدية تحت إشراف المصرف المركزي تتنافس على إعطاء افضل النتائج وإخراج الدولة اللبنانية كلياً من موضوع معاشات التقاعد وصندوق نهاية الخدمة، وتحويل دور الدولة الى الرقابة لإجبار كل صاحب عمل بالشراكة مع الموظف التأكّد من دفع الاشتراكات شهرياً.

- ثانياً ضريبة الدخل على معاشات التقاعد: أكثرية البلدان في العالم ما عدا البلدان البترولية والتي تتمتع بدخل فردي مرتفع جدا لا تعفي كل معاشات التقاعد من ضريبة الدخل ولا تعفي حتى الصناديق الخاصة من تعاضد وغيرها من ضريبة الدخل وهنا يجب اعفاء اول 12 مليون من ضريبة الدخل السنوي كلياً ، ثاني 12 مليون نصف ضريبة دخل وبعد الـ24 مليون تدفع ضريبة الدخل كاملة. وهذا عادل ومنطقي ومعتمد في كل البلدان الصناعية في العالم، أما بالنسبة للمحسومات التقاعدية فيجب رفعها الى 10%، 2% على الموظف و2% على الدولة ويجب أن تتمّ الرقابة للتأكد من أنّ المحسومات التقاعدية تكفي المعاشات التقاعدية لتأمين ديمومة هذه المعاشات او تحويلها كلها لصناديق خاصة.

تبدو هذه الارقام والمواضيع معقّدة للوهلة الاولى، إلّا أنّ الاقتصاد لا يتمّ بناؤُه بالهوبرات والنق على السوشيال ميديا، أوالزجل والردات الشعرية، بناء الاقتصاد يتمّ عبر الغوص في هذه التفاصيل تحديداً، وايجاد حلول لها، والاهم امتلاك حلول شجاعة مبنيّة على العلم وليس على الشعبوية. بعبارة واحدة أوقفوا «أصحاب الجوارير» في لبنان.