تدور السياسة اللبنانية دورتها الكاملة وتعود الى حيث بدأت وكأنه مكتوب على هذا البلد العيش دائماً في دوامة الفراغ الذي يترك تردّداته الإقتصادية والإجتماعية على المواطن أولاً وأخيراً.
 

لم تعد اللعبة الحكوميّة لعبة أحجام وحصص، بل تحوّلت سياسة نكد وعدم الإكتراث بمصير البلد، وكأنّ المطلوب في لعبة عضّ الأصابع تركيع الناس وتجويعهم لكي تبقى السيطرة لهذه الطبقة السياسية.

اللافت في المسار الحكومي أنّ الأزمة عادت الى مربّعها الأول، والبحث ينطلق حالياً من مبدأ إعادة توزيع الحقائب، في حين قيل إنّ هذا الأمر كان مبتوتاً في وقت سابق.

ضحك طبّاخو الوجبة الحكومية على الشعب اللبناني بعد تكليف الرئيس سعد الحريري في 24 أيار الماضي عندما أوهموه بأنّ العُقدة هي درزية، وتزامن ذلك مع اختراع كتلة لرئيس الحزب «الديموقراطي اللبناني» النائب طلال إرسلان. وخيضت معارك لعدم احتكار «اللقاء الديموقراطي» والحزب التقدمي الإشتراكي التمثيلَ الدرزي الوزاري.

رئيس الحزب «الإشتراكي» وليد جنبلاط قرأ موازين القوى جيداً، حاول الصمود قدر الإمكان، لكنه تخلّى في نهاية المطاف عن وزير درزي لرئيس الجمهورية ميشال عون ورضي بوزارتي التربية والصناعة.

غير أنه في ساعة تخلّي جنبلاط عمّا يعتبره حقاً له، لم «تَركب» الحكومة، وانتقلت العُقدة الى الساحة المسيحية، وباتت «القوات اللبنانية» في نظر البعض هي المعرقل، فتخلّى الدكتور سمير جعجع عن المطالبة بحقيبة سيادية ثم عن حصة بخمسة وزراء ومن ثمّ عن حقيبة خدماتية أساسية وقبل بوزارات: العمل، الشؤون الإجتماعية، الثقافة، ونائب رئيس مجلس الوزراء، ليتفاجأ اللبناني بالعُقدة السنّية المتعلقة بتمثيل «اللقاء التشاوري» السنّي.

وبعد دخول التعطيل شهرَه التاسع، تجدد البحث في حصة «اللقاء الديموقراطي» و«القوات اللبنانية»، وكأنّ القصة باتت قصة تسلية وليس هناك مصير بلد على المحك.

مصادر «اللقاء الديموقراطي» تجزم أنّ الأمور لا تسير في الإتجاه الجدّي للتأليف، وتقول لـ«الجمهورية»: «أنظروا الى مسار عملية التفاوض، ففي البداية أخذوا مقعداً درزياً، ويريدون الآن «تشليحَنا» وزارة الصناعة».

وتشير الى أنّ «شيئاً مشبوهاً» يحصل، وإلّا لمَ كل هذا التركيز حالياً على حصّة «القوات» و»الاشتراكي»؟ هل يريدون تحجيمنا أكثر ولماذا؟» تسأل، لتضيف: «فليقولوا لنا صراحة هل إنهم لا يريدون سعد الحريري على رأس الحكومة أو إنهم يريدونه «مزلّط» بلا «القوات» و»الاشتراكي»؟ وهل يرضى الحريري الدخول الى حكومة من دوننا ليتحكّموا باللعبة؟

وتكشف مصادر «اللقاء الديموقراطي» أنّ جنبلاط «متمسّكٌ بوزارة الصناعة وقد قالها للرئيس الحريري خلال لقائهما الأخير، لكنه لم يقفل بابَ النقاش نهائياً». ويرى «اللقاء الديموقراطي» أنّ الأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصرالله «يستطيع تحقيق مطالب حلفائه وجمعهم برفع إصبعه، ولو كان يريد حكومة لكان أخذ «الثلثَ الضامن» من الوزير جبران باسيل، في وقت لا يستطيع الأخير فعل شيء عندها».

يؤكّد العاملون على خطّ التأليف أنّ أموال مؤتمر «سيدر» هي التي تجعل النزاع على وزارة البيئة يتفاعل لأنّ هناك 1.2 مليار دولار أميركي ستُصرف على مشاريع بيئية مثل النفايات والمحارق، لكن فات المتنازعين أنّ كل ما قرره مؤتمر «سيدر» أصبح في خطر إذا لم تؤلّف حكومة، في حين أنّ كلّ الأجواء الإيجابية المُشَاعة هي لذرّ الرماد في العيون.

قد لا تشكّل مسألة حقائب «اللقاء الديموقراطي» عقدة كبيرة، لكن في المقابل ترى «القوات» أنّ البحث يجب أن ينتقل الى مكان آخر، وهذا ما حصل في لقاء جعجع والحريري في فرنسا منذ أيام، وتؤكد مصادرها لـ«الجمهورية» أنّ «الهدف من الجلسة بين الحريري وجعجع ليس التطرّق الى المبادلة في الحقائب أو إمكانية تخلّي «القوات» عن وزارة الثقافة. لافتةً الى أنه تمّ التطرق الى الأزمة اللبنانية عموماً، والتي هي أبعد من مقعد حكومي من هنا أو حقيبة وزارية من هناك».

وتستنتج «القوات» أنّ «كل المشهد الذي يتكوّن يزيد الأمور تعقيداً، وأنّ الحلَّ غيرُ موجود على رغم الأجواء التفاؤلية».

أما الدواء للداء الحكومي، بحسب «القوات»، فإنه يتطلب حدوث «صدمة إيجابية من نوع آخر، وهذا الأمر بيدّ الرئيس المكلّف ورئيس الجمهورية لأنه بات واضحاً أنّ هناك إرادة بعدم التاليف».

وفي حسابات «القوات» أنّ «الحركشة» بحصّة «القوات» و«الإشتراكي» ليست إلّا «تفاصيل صغيرة في مسلسل التعطيل الكبير، لأنه كلما حُلّت عُقدة يخترعون عُقداً إضافية».

ربما تحتاج الأزمة الحكومية الى تسوية خارجية أو إتصال من الخارج أو بالأحرى «أمر خارجي»، لكنّ الأكيد أنّ إعادة النظر في توزيعة الحقائب سيعيد فتحَ باب نقاش طويل أو ما يُعرف بـ«وكر دبابير»، لذلك يسأل اللبناني ماذا سيخترعون من عُقد إذا حلّت العُقدة السنّية؟ وكم سيستمرّ مسلسلُ التعطيل؟