في أوج أزمة معيشية تظلّل لبنان كلّه، لا عجب أن تضرب عصى الفقر والحاجة الى العمل مدينة بعلبك، حيث لا يزال هناك مَن يلهث بإيمان وراء لقمة العيش ويقاتل في سبيلها، فيجول بيدٍ قابضة على جزءٍ يسير ممّا يتيسّر له من مال على محالٍ وأسواق مدينة الشمس لتأمين حاجاته ومستلزماته علّها تكفيه أياماً وعائلته، في انتظار فرجٍ قريب يعيد الأمل والعمل إلى هذه المنطقة التي تشكو وتعاني كما الوطن والمواطنين، لا سيما في ظلّ مزاحمة التجار الغرباء والدخلاء.
 

تشكلُّ الأسواق الشعبية في لبنان والمنتشرة في المحافظات وعلى مدار أيام الأسبوع، متنفّساً لكثير من المواطنين الذين يحتاجون تيسير وتأمين حاجاتهم الأساسية، وكأنهم يرون فيها مجمعات تجارية لما تحتويه من بضائع، تكبر مع كبر الأزمة الإقتصادية التي تغزو البلاد وتشتدّ على المواطنين وتُثقل كاهلم.

وكما في كل لبنان، لبعلبك من الأسواق الشعبية حصة يومي السبت والأربعاء، حيث يفترش الباعة بضاعتهم على بسطاتٍ في سوق عند مدخل المدينة الجنوبي يمتدّ على مساحة تزيد عن عشرة آلاف متر قُسمت بين مواقف للمواطنين وأماكن للبسطات، وسوقٍ للماشية، وهناك ترى تزاحم الأقدام من مختلف المناطق البقاعية والزحمة التي تبلغ ذروتها في فترة الظهر حتى إنتهاء السوق، ناهيك عن النازحين السوريين الذين يشكلون نسبة كبيرة من المتسوّقين، علَّهم يكسبون ويشترون بأسعار أرخص من السوق العادي، وهناك أيضاً ترى الكمّ الهائل من ذوي الدخل المحدود، وعدداً من ميسوري الحال الذين يبغون أيضاً الشراء بأسعار رخيصة.

وسوق بعلبك الشعبي متجذّرٌ فيها منذ مطلع الستينات حيث بدأ بسوق للماشية، وبعرض المنتجات من مختلف الأصناف خضار، ألبسة، مأكولات، أدوات منزلية، نحاسيات.. (على بسطات منذ أكثر من خمسة عشر عاماً بعد أن قام صاحب الأرض بتجهيزها مقابل تقاضي مبلغ مالي عن كل بسطة، 25 ألف ليرة).

منذ الخامسة صباحاً يقصد الباعة محالهم وهي كناية عن بسطات تفترش السوق موزّعة ومقسّمة على مختلف أرجائه، ومع طلوع أول خيوط الشمس يهمّ الناس بالتوافد لشراء حاجياتهم، وسط ارتفاع أصوات الباعة ومناداتهم وإعلانهم التنزيلات على الأسعار التي تصل إلى الـ50% مع اقتراب نهاية السوق. هنا، في هذا الوقت يبلغ عدد الزوار ذروته، تحت وطأة عجقة السير عند مدخل السوق الملاصق لثكنة قوى الأمن الداخلي في بعلبك.

سوق بعلبك الشعبي هذا، هو نعمة يدركها الكثير من المواطنين الذين يعجزون عن تأمين أبسط مقوّمات حياتهم اليومية في حين يراها بعض التجار والباعة نقمةً بسبب مزاحمة الباعة السوريين الذين يكتسحون بنسبة 90% بسطات السوق وبضاعته، حيث تدرك مع التنزيلات على الأسعار حجمَ التفاوت في الأسعار لا سيما في الخضار والفواكه التي تباع بأسعار أقل من سعر الجملة، وهنا يسأل بعض تجار الخضار في المدينة عن تلك الأسعار ومَن يراقبها، وكيف يمكن أن يربح صاحب البسطة إذا كان سعر المبيع بالجملة أغلى ممّا تباع به في السوق، وهل تقوم وزارة الإقتصاد بمراقبة الأسعار، في حين يسأل آخر عن ضبط عمليات التهريب التي لا تزال ناشطة في هذا المجال، ويسأل عن صحة المواطن التي يمكن أن تتعرّض للأذى في أيّ وقت نتيجة الخضار والفواكه المهرّبة من بلدٍ تغزوه الحرب والمواد السامة.

على المقلب الآخر يفرح أحمد عباس وهو عائد من السوق لشرائه كل ما يحتاج بأسعار أقل من سعر السوق وبتوفير مبلغ من المال سيصرفه في شراء المازوت وفق قوله، وعن المواد الغذائية المكشوفة التي يمكن أن تسبّب أمراضاً ويشتري منها المواطنون، يقول عباس بلغته البعلبكية المعروفة: «لك مين سائل علينا، المهم ناكول ونطعمي ولادنا».

كذلك يرى عباس رعد أحد أصحاب بسطات الثياب أنّ حركة السوق يومي السبت والأربعاء جيدة نوعاً ما، وهي أفضل من حركة سوق بعلبك التي تقتصر في ظلّ الأزمة الإقتصادية على فترات الأعياد والمناسبات.

من جهته محسن عواضة وهو أحد باعة الخردة والنحاسيات في السوق يتردّد إليه منذ خمسة عشر عاماً، ويقول لـ»الجمهورية» إنّ «البضاعة التي يعرضها والمكوّنة من نحاسيات وخردة لها زبائنها، وهم أصبحوا شبه دائمين»، يرتادون بسطته عند كل أسبوع يختارون ما يحتاجون، فيما يأتي البعض الآخر لشراء نحاسيات وتحف قديمة. وحول منافسته من قبل باعة آخرون يقول عواضة إنّ هذه الحِرفة يمارسها لبنانيون في السوق الشعبي في بعلبك بينما تنتشر بكثافة في بيروت وغيرها، وهناك باعة سوريون يزاولونها بعد أن تمّ إستيراد وتهريب بضائع من سوريا خلال الأزمة.