مرةً جديدة، أعادت الأجواءُ الباريسية بثّ مناخات التفاؤل إزاء إمكانية تأليف الحكومة خلال الأيام القليلة المقبلة، معطوفة على المهل التي وضعها كل من رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري لنفسيهما، حيث بدا أنّ الانفراجَ الحكومي بات قريباً وفي إمكانه إخراج مشاورات التأليف من عنق الزجاجة.
 

وبالفعل، إستُهِلّت الجولة الجديدة من المشاورات بلقاءٍ جمع الحريري برئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل الاثنين الماضي، انتهى بتصريح مفاجئ للأخير أعلن فيه وجودَ «إمكانية حقيقية» لتشكيل الحكومة.

على هذا الأساس قصد الحريري عين التينة للقاء رئيس مجلس النواب نبيه بري للتشاور مجدداً حول إمكانية حصول تبادل في بعض الحقائب الوزارية، وذلك ربطاً بطلب باسيل الحصول على حقيبة وزارة البيئة التي جُيِّرت وفق النسخ الأولى للحكومة، إلى حركة «أمل»، ما استدعى تمني الحريري على بري إجراء تبديل جديد من شأنه أن يحلّ هذه الأزمة.

عملياً، تفيد المعلومات أنّ انتقال الحريري إلى البند الثاني من العراقيل، والمقصود به الحقائب، أتى نتيجة إشارة باسيل أمام رئيس الحكومة الى استعدادِه لمعالجة أزمة تمثيل «اللقاء التشاوري» من حصة رئيس الجمهورية، على قاعدة أن يكون الوزيرُ أحد الأسماء التسعة، على أن تتمّ معالجة مسألة تموضعه وتصويته لاحقاً، مع العلم أنّ «اللقاء التشاوري» لا يزال حتى اللحظة خارج دائرة التداول، أقلّه في الشكل الرسمي.

هكذا، قرّر رئيس الحكومة الانطلاق من هذه «الوديعة» لحلّ معضلة الحقائب، ولو أنه جوبه من جميع الأطراف التي التقاها على طريق الحلّ بسؤال مركزي مفاده: هل أنت واثق من نيات باسيل؟

كان جواب الحريري وفق المعلومات، أنّ إصرارَ رئيس الجمهورية على ولادة سريعة للحكومة، مدعوماً بتأكيد وزير الخارجية أمامه، هما بمثابة ضمان واضح لقرار معالجة أزمة تمثيل النواب السنّة، وللمضي قدماً في بقية العراقيل.

وعلى هذا الأساس، قرّر رئيس مجلس النواب فتحَ الباب أمام أيّ فتوى جديدة تعيد مداورة بعض الحقائب الوزارية، على أمل الخروج بتشكيلة حكومية توافقية تضع حداً لحكومة تصريف الأعمال، وذلك طبعاً بعدما سمع من رئيس الحكومة كلاماً مباشراً حول عدم ممانعته إسناد حقيبة وزارة الصحة إلى وزير يسمّيه «حزب الله» دحضاً لكل الكلام عن تحذيرات أميركية معترِضة على هذا السيناريو.

لا بل أكثر من ذلك، تقصّد بري إشاعة أجواء ايجابية حول محاولة الحريري الجديدة من باب تسهيل مهمته، ولو أنّ الحذرَ يملؤُه.

وضمن الروحيّة نفسها كان اللقاء مع رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط حين فاتحه الحريري بطلب الحصول على حقيبة وزارة الصناعة. التجاربُ السابقة لم تشجّع الزعيم الدرزي على الدخول مجدداً في متاهة التفاوض حول الحقائب، ولا التسليم بفرضيّة أنّ العقدة السنّية صارت في الخلف ولم يبقَ إلّا أمتار قليلة لأخذ الصورة التذكارية. ومع ذلك أبقى على كوة صغيرة لاحتمال البحث في سيناريوهات بديلة لحقيبة وزارة الصناعة فيما لو تمّ تجييرُها لحركة «أمل».

وعلى رغم ذلك، حسب ما تفيد المعلومات، لم يحاول الحريري ممارسة الضغط على حليفه العتيق، لا بل بدا حريصاً على اعادة تمتين العلاقة، من باب إرساء نوع من توازن يحتاج إليه في هذه اللحظات الحرجة، للتصدي للضغط الذي يمارسه رئيس «التيار الوطني الحر». المنحى نفسُه اعتمده الحريري مع رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع خلال لقائهما الباريسي حيث حاول أيضاً تحصين خطوط التواصل بينهما.

بعدها انتقل البحث إلى العاصمة الفرنسية حيث يتردّد أنّ قصر الإليزيه حاول دفعَ ضيوفها اللبنانيين في اتّجاه التفاهم سريعاً على التشكيلة الحكومية، فتكثّفت اللقاءات بين الحريري وباسيل على أمل إنجاز المهمة في جلساتهما الثلاثية.

هكذا، ارتفع منسوبُ التفاؤل في بيروت اعتقاداً أنّ تكثيف المشاورات يعكس جهداً استثنائياً يُفترض أن تظهر ترجمته قبل نهاية الأسبوع كما وعد عون والحريري نفسَيهما، بعد انضمام جعجع إلى الجولة الجديدة من المفاوضات، والذي تصرّف أيضاً على قاعدة «لا يفنى الديب ولا يموت الغنم»: رفض بالمبدأ أيّ تبديل في الحقائب، ولكنّ ثمّة دوماً بقعة ضوء يمكن الاستفادة منها.

غير أنّ انقلابَ باسيل على تفاهمات بيروت، أعاد الأمور الى نقطة الصفر، حسب المعلومات، بعد معاودة رئيس «التيار» إحياء طرح المبادلة مع رئيس الحكومة بين الوزيرَين المسيحي والسنّي! لا بل عاد إلى الوراء لتسليط الضوء على مجموعة من الحقائب من بينها حقيبة وزارة الأشغال كـ»تعويض» لـ»التيار» في حال كان توزير «اللقاء التشاوري» من حصة رئيس الجمهورية.

هكذا، عاد الحريري الى بيروت خالي الوفاض كون اللقاءات الباريسية لم تفضِ إلى أيّ نتيجة فاعلة، وتركت مشاورات التأليف عالقة في جدار «الفيتوات» المتبادَلة. 

وعلى رغم ذلك، فإنّ الكلام عن اعتذار الحريري فيه شيءٌ من المبالغة، حسب ما يفيد المطلعون ولو أنّ خياراته محصورة بثلاثة: إما إبقاء الوضع على ما هو عليه في انتظار تدخّلٍ ما يدفع أحد الأطراف الى تقديم تنازل من شأنه حلّ المعضلة. وإما تقديم تشكيلة حكومية يراها مناسبة وقد يؤدي السيناريو الى تصادم لا يريده مع رئيس الجمهورية. وإما الاعتذار وهو احتمال لا يريده، وهو الأدرى بكلفته على البلاد في هذه الظروف المالية الدقيقة، وكلفته على الحريري نفسه، مع العلم أنّ كلام الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله السبت يُعدُّ دعماً واضحاً لخيار بقاء الحريري في رئاسة الحكومة، وتالياً استبعاد احتمال الاعتذار نهائياً.