في الوقت الذي تقصّد فيه الأمينُ العام لـ»حزب لله» السيد حسن نصرالله توجيهَ رسائل إيجابية الى الرئيس المكلّف سعد الحريري مقدِّراً جهوده في «تدوير الزوايا» في عزّ الأزمة الحكومية كان حليفاه، «حركة أمل» و»التيار الوطني الحر»، يدشّنان جولةً جديدةً من «التقاتل» الكلامي على خلفية موقف النائب أنور الخليل وردود نواب «التيار» عليه.
 

لم تعد تنفع كل «المسكّنات» في التخفيف من وطأةِ خلافٍ بين «حليفين» صار «همُّ» قيادتهما الوحيد التخفيفَ من أضراره وليس معالجته طالما أنه من صنف «الخلافات المستعصية». 

كلامُ الخليل الذي تزامن مع إطلاق نداءٍ رئاسي بقرب تسمية رئيس الجمهورية ميشال عون «الفاسدين بأسمائهم» في موازاة تشدّد الوزير جبران باسيل في مطلب إعادة توزيع الحقائب، وتأكيد فريقه القريب منه «أنّ أموال «سيدر» التي ستدفق الى وزارة «البيئة» ستكون «بحمايتنا» غامزاً من قناة التوجّس من بقائها في يدّ فريق حركة «أمل» داخل الحكومة، لم يجد مساحة له ضمن أخبار قناة «أن. بي. أن»، فيما وصلت رسالة توضيحية بالبريد السريع من بري لعون تفيد أنّ «كلامَ خليل لا يمثل كتلة «التنمية والتحرير ولا يمثلني»، ومن ثمّ ردّ عون عبر أحد مساعديه بأنّ «رئيس الجمهورية لا يعنيه سوى الكلام الصادر عن بري شخصياً». 

مع ذلك لم يشفع توضيحُ عين التينة في منع نواب «التيار الوطني الحر» في الاسترسال في الردّ على إتهامات الخليل الصريحة لعون بوجود فاسدين في محيطه وفي «قمة الهرم السياسي» لم يردعهم حتى الآن، متّهماً عهدَ عون بأنه «الأكثر فساداً وإستهتاراً بالقوانين منذ إنشاء لبنان». 

لكنّ المعالجة الديبلوماسية التي ساهمت في تهدئة الجبهات، عند كل مفترق مواجهة، لم تُلغِ واقعاً بات فاقعاً بين الحليفين المفترَضين. المشكلة الفعلية أنّ ما يتسرّب الى العلن من مواقف ويجري «ضبضبتُه» لاحقاً، ومن كلا الجانبين، ليس سوى عيّنة بسيطة جداً ممّا يقال في الغرف المغلقة عن حقيقة رأي الطرفين أحدهما في الآخر، وما ينتظرهما من جولات كباش قاسية داخل الحكومة العتيدة. ولو قُدّر ربما، لـ «ويكيليكس» المجالس الضيقة أن يجد طريقه الى العلن، لكنّا أمام حرب تخاض مباشرة بين «الضباط» وليس «العسكر»! 

وفق المعلومات، تمّ تجاوز «زوبعة» الخليل سريعاً. حتى إنّ محيطين ببري يذكّرون أنه «قبل أيام إضطر الحريري الى الاصطفاف الى جانب باسيل شخصياً في مواجهة مواقف الوزير معين المرعبي ودعم الوزير نهاد المشنوق له على خلفية مواقف وزير الخارجية خلال القمة العربية الاقتصادية في ملف النازحين». ويشير هؤلاء الى أنّ كتلة «التحرير والتنمية» تضمّ نواباً مثل ياسين جابر وعلي عسيران وابراهيم عازار وميشال موسى... وأيُّ موقف قد يتّخذه هؤلاء، بما لهم من حيثية مستقلة ضمن «الكتلة»، لا يجب أن يفسَّر أنه بمثابة إنعكاس لرأي بري الشخصي. ويلفتون الى أنّ «مقابل التجييش الذي قام به وزراء ونواب من «التيار» فإنّ أحداً من أعضاء «الكتلة» لم يطلق مواقف مماثلة ما يعني أنّ ما أعلنه الخليل ليس بإيعاز من أحد، وقد اتبعه بتوضيح شامل». 

من جهة «التيار»، تشير مصادره الى أنّ «إيصال الرسائل بالواسطة لم يعد جائزاً، خصوصاً إذا كانت الاتهامات ترتقي الى هذا المستوى من الخطورة والتي لا يمكن أن تفسَّر سوى كونها إدانةً مباشرة لرئيس الجمهورية بالتواطؤ وتغطية فاسدين»، فيما تدعو مصادرُ «التيار» مَن يملك أيَّ دليل الى فساد «محيط الرئيس» أن يقدّم أدلّته، وإلاّ فإنّ هذا الأمر يشكّل إعتداءً صريحاً يستوجب الملاحقة القانونية»!

مع ذلك، يبدو أنّ قراراً مشترَكاً في كل من بعبدا وعين التينة يروّج للتهدئة وضبط النفس «كون الوضع العام ضاغطاً ولا يتحمّل فتحَ جبهات في غير مكانها وزمانها». ووفق المعلومات، رغم الغبار الكثيف الذي يحوط بالعلاقة بين الطرفين، وخصوصاً بعد إنتخاب عون رئيساً وحجب بري أصوات كتلته عنه وترك تكتل «لبنان القوي» الحرّية لأعضائه في إنتخاب بري رئيساً لمجلس النواب لولاية سادسة، فإنّ التواصل «حيث تدعو الحاجة» بقي قائماً ولم يتأثر بالمعارك الدائرة حتى بين باسيل والوزير علي حسن خليل شخصياً ولا مع «إشتداد المعارك» على مواقع التواصل الاجتماعي. 

وفق مطلعين، تلخّص المواجهةُ الكبرى اليوم بين فريق عون وباسيل من جهة وفريق بري من جهة أخرى بعنوانين أساسيّين: الفريق الأول يصنّف عين التينة، بقائدها وكل «عسكرها»، بأنها مشارِكة في معركة محاولة إسقاط العهد وبات يراهن منذ الآن على من سيخلف بري في رئاسة مجلس النواب ليؤسسّ معه لمرحلة جديدة بعد التسليم بإستحالة إصلاح ما لا يمكن إصلاحُه مع «حقبة بري» منذ «إتفاق الطائف». أما الفريق الثاني فيرى في باسيل «المُفشّل» الأوّل للعهد بسبب أدائه وسوءِ مقاربته للملفات، ويُحمّل عون جزءاً من المسؤولية في تأمين الغطاء الكامل لباسيل في إدارة ما يجب على عون كرئيسٍ القيامُ به... أما الجزء المخفي من «المُساءلة» فهو عدم إقتناع بري بأنّ وصول عون أصلاً الى رئاسة الجمهورية كان الخيارَ الرئاسي السليم!