أربعة عناوين لبنانية أساسية تختصر مقابلة الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الأخيرة والجامع بينها مواصلة «الحزب» سياسة التبريد إلى درجة تصفير عدّاد المشكلات مع كل القوى السياسية.
 

الهمّ الأساسي لـ«حزب الله» الذي ظهّره السيد نصرالله بنحو جليّ جداً يتمثّل بمواصلة سياسة توازن الرعب مع إسرائيل، والجدير ذكره أنه بات يمتهنُ مخاطبة شعبها وحتى قيادتها السياسية والعسكرية، فيشيد ببعض جنرالاتها وحِرفيّتهم العسكرية وينتقد بعضَهم الآخر، ويحذِّر الإسرائيليين من استسهال قيادتهم الحرب في محاولة لحضّهم على الضغط على هذه القيادة لتجنّب هذه الحرب، ويتقصّد الكشفَ عن امتلاكه الصواريخ الكاسرة للتوازن والقادرة على قصف تل أبيب، وقد تكون هذه المعلومة غيرَ صحيحة، ولكنّ الهدف منها ومن الكلام عن قدرته الدخول إلى الجليل تكريس هذا التوازن من الرعب تجنّباً لحرب لا يريدها نصرالله، كونه يدرك صعوبة التحكّم بنتائجها العسكرية والسياسية، خصوصا في مرحلةٍ تُعاد فيها هندسة أوضاع المنطقة وكل التركيز على تحجيم الدور الإيراني فيها، وظهر في أكثر من محطة أنه يتموضع في موقع الدفاع لا الهجوم، ولكن مع تحذيرٍ ثابتٍ للإسرائيليين «لا تجربونا» بهدف إبعاد شبح الحرب.

فالعنوانُ الأول لمقابلة نصرالله لبنانياً، مزدوجٌ ويتراوح بين رفضه الحرب وتمسّكه بالسلاح، فهو لا يريد الحربَ مع إسرائيل، وترجمة لهذا الهدف يحاول المزاوجة بين قدرته على ردع إسرائيل وبين انفتاحه على البحث في الاستراتيجية الدفاعية شرط أن لا تكون بصفحة واحدة وبسطر أوحد هو نزع سلاح الحزب، وقد حاول القول إنه يقف خلف الدولة اللبنانية، ولكنه يتّكئ في العمق على الدعاية الإسرائيلية الإعلامية وليس آخرها أنّ المحطات التلفزيونية الإسرائيلية تبثّ حديثه للقول إنّ التضحية بهذا السلاح وهذه القوة التي ترعب الإسرائيليين جريمة، فيما هو ليس في وارد تسليم سلاحه أساساً.

ورسالتُه إلى اللبنانيين في هذا العنوان المزدوج هي أنّ سلاح «حزب الله» هو سلاحٌ دفاعي لا هجومي من أجل طمأنة اللبنانيين، وأنّ دوره حدوديُّ الطابع ولا تأثير له على مجريات الحياة السياسية الداخلية ومهمته الحفاظ على الاستقرار، وذلك بهدف سحب موضوع السلاح من أيّ نقاش أو خلاف داخلي.

وأما العنوان الثالث، بعد رفضه للحرب وتمسّكه بالسلاح، فهو الإعلان عن تمسّكه بـ«اتفاق الطائف» وأنه لا يسعى إلى المثالثة ولا تعديل الدستور في رسالةِ تطمينٍ إلى المسيحيين واستطراداً السنّة، فهو يريد الابتعاد عن الأزمات الداخلية، والكلام عن أيّ تعديل دستوري يُدخل لبنانَ في انقسام عمودي، فضلاً عن أنه يتعامل ببراغماتية عالية مع مسألة الدستور بعدما اعتبر أنه عطّل من خلال سلاح «الفيتو» إمكانية استخدام هذا الدستور لنزع سلاحه أو لجم دوره أو الضغط عليه، خلافاً للمرحلة التي أعقبت خروج الجيش السوري من لبنان وشكّلت محاولة من أخصامه لتطبيق «الطائف» بشقّه السيادي، ومحاولة منه لإحياء زمن الوصاية السورية بواسطة سلاحه ودوره، وبعد وصول الطرفين إلى إقتناع باستحالة الحسم داخل البلد في «ستاتيكو» المساكنة بقوة الأمر الواقع.
فالهدف الأساس لـ«حزب الله» في هذه المرحلة هو الحفاظ على سلاحه، وبما أنّ الدستور ينصّ في وضوح على سلاح أوحد هو سلاح الشرعية اللبنانية، حاول تعطيل هذا الشقّ من خلال ربط النزاع في موضوع المقاومة التي ربطها «الطائف» بالدولة حصراً، وعبر إقفال الساحة الشيعية نيابياً وتحويل «الفيتو» من «فيتو» طائفي إلى مذهبي يستطيع بواسطته تعطيل أيّ قرار حكومي في اعتباره غيرَ ميثاقي، وعلى رغم من ذلك تقصّد في كلامه وضع القرار النهائي في يد الدولة لا الحكومة حصراً، توسيعاً لمساحة الضمانات لسلاحه، إذ بدلاً من حصرها بدائرة واحدة وسّع الدوائر لتشمل رئيس الجمهورية والمجلس النيابي.

وأما العنوان الرابع من حديثه فهو الحكومة التي شدّد على ضرورة تأليفها، نافياً أيّ أبعاد خارجية للفراغ، وحاصراً الأزمة بتوزير «اللقاء التشاوري»، ومحاوِلاً تبديد أيّ انطباع بأنه يراهن على الفراغ أو أنه يستخدمه لأغراض إقليمية، ومتقصّداً الإشادة بالرئيس ميشال عون والوزير جبران باسيل قطعاً للطريق على الاستثمار في الخلاف معهما وتبريداً لحالة الاحتقان التي سادت بين «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» في الآونة الأخيرة.

وبما أنّ أولوية اللبنانيين الاستقرار حاول نصرالله طمأنتهم من ثلاثة جوانب: الجانب الأول حدودي بأنه لا يبحث عن حرب مع إسرائيل، وأنّ الهدف من سلاحه ردعها عن أيّ حرب. والجانب الثاني دستوري بأنه ليس في وارد أيّ تعديلات دستورية، وانه يكتفي بما انتزعه عِرفاً بواسطة سلاح «الفيتو» لتعطيل أيّ محاولة لاستخدام الدستور ضده، ومن دون أن يقفل النقاش في استراتيجية دفاعية ستبقى عنواناً خلافياً في مؤدّياتها وبما يُبقي سلاحَه بقوة الأمر الواقع.

والجانب الثالث حكومي بأنه ضد الفراغ ومع تشكيل الحكومة وأنّ الأزمة الحكومية داخلية وتُحلّ في اللحظة التي يُصار فيها إلى توزير «التشاوري».

وإذا كان ما تقدّم يشكّل الأهدافَ المرحلية لـ«حزب الله»، إلّا أنّ هذه الأهداف مبنيّة على المعطيات السابقة والراهنة المتصلة بـ«الستاتيكو» القائم، ولكن كل المؤشرات تُنبئ بتغيير هذا «الستاتيكو» أميركياً من خلال الضغط غير المسبوق على إيران والذي سيتوَّج بمؤتمر دولي- إقليمي في وارسو بدأت ترتفع معه اللهجة الدولية ضد طهران وآخرها الموقف الفرنسي، وإسرائيلياً من خلال القصف المتواصل على المواقع الإيرانية في سوريا والتركيز الاستثنائي على الحزب من باب الدلالة على خطورته عشيّة انتخاباتٍ إسرائيلية تمّ تقريبُها بهدف اتّخاذ قراراتٍ مصيرية.

وعليه، فإنّ مواقف نصرالله مرتبطة بـ«الستاتيكو» الراهن، ولكن ماذا لو بدّلت واشنطن وتل أبيب هذا الستاتيكو في الأسابيع والأشهر المقبلة، خصوصاً أنّ كل المؤشرات تدلّ الى أنّ الولايات المتحدة انتقلت إلى الهجوم، فيما حاول نصرالله القول للأميركيين والإسرائيليين إنه على خطّ الدفاع لا الهجوم، وإنّ سلاحَه لا يشكّل خطراً على الأمن الإقليمي من منطلق أنّ هدفه دفاعي لا هجومي، وأنه متمسّك بـ»الستاتيكو» القائم، ولكن هل هذا كافٍ لوقف أو فرملة الاندفاعة الأميركية الاستراتيجية؟

وفي مِعزَل عن الأهداف الأميركية أراد نصرالله في إطلالته أن يوجّهَ رسالة مثلّثة الأضلع إلى الأميركيين والإسرائيليين واللبنانيين مفادها أنه مع الحفاظ على «الستاتيكو» الراهن الذي يشكّل الضمان لاستمرار الاستقرار القائم.