كان أي شخص يتوقع الكثير من زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى موسكو هذا الأسبوع، لكن سبب شعوره بخيبة الأمل مرده أن المحادثات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم تسفر عن أي شيء مهم بشأن القضايا الكبرى بين البلدين.

فشل الرئيس التركي في الحصول على موافقة واضحة من الكرملين لإقامة منطقة أمنية في شمال شرق سوريا في أعقاب الانسحاب الذي تعهد به الرئيس دونالد ترامب للقوات الأميركية البالغ قوامها 2000 جندي هناك. ولم يكن هناك أي إعلان عن مصير جيب إدلب الذي تسيطر عليه المعارضة المسلحة حيث حققت هيئة تحرير الشام مكاسب. والهيئة جماعة متشددة كانت متحالفة مع تنظيم القاعدة ذات يوم.

ما اختار بوتين وأردوغان التأكيد عليه بدلاً من ذلك، خلال مؤتمرهما الصحافي المشترك، كان التعاون المزدهر بين تركيا وروسيا في مجالات الطاقة والتجارة والسياحة. ومع ذلك، وبالرغم من أن المشاريع، التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات مثل خط أنابيب ترك ستريم لنقل الغاز من روسيا عبر البحر الأسود إلى تركيا ومحطة أكوكيو للطاقة النووية التي تبنيها الشركات الروسية في تركيا، تُعد أمراً بالغ الأهمية، فمن الواضح أن سوريا كانت في قلب المحادثات.

لم يفقد أردوغان الأمل في أن روسيا ستوافق في نهاية المطاف على هجوم تركي على الأراضي السورية التي يسيطر عليها الأكراد في شرق نهر الفرات. وقد أثار القضية في مقالة افتتاحية نُشرت في صحيفة كومرسانت اليومية واسعة الانتشار في موسكو، في تطابق لمقالة سابقة كتبها في صحيفة نيويورك تايمز.

ليست روسيا بالضرورة ضد مثل هذا السيناريو، لكن بوتين أوضح أن التدخل التركي يجب أن يحدث بشروط روسيا. في المؤتمر الصحافي المشترك، أقر الرئيس الروسي بأن أنقرة لديها مخاوف أمنية مشروعة. ثم سارع بوتين إلى إضافة أن اتفاق عام 1998 الذي وقعته تركيا وسوريا في أضنة يرسم الطريق إلى الأمام.

في ذلك الوقت، وافقت الحكومة السورية على حظر حزب العمال الكردستاني كمنظمة إرهابية وإغلاق معسكراته ووقف تسليحه وطرد زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان من أراضيها. لكن ما كان في السابق تنازلا سوريا تحت تهديد حرب شاملة لوحت به تركيا يخدم الآن بوتين كذريعة للمطالبة بأن يقبل أردوغان الرئيس السوري بشار الأسد كشريك.

لا تزال روسيا تتمسك بقوة بموقفها المتمثل في أن الحكومة السورية يجب أن تسيطر على شمال شرق البلاد. إذا كانت تركيا تريد القضاء على القوات الكردية في سوريا، فعليها أن تنسق مع دمشق.

الوضع في إدلب محفوف بالمخاطر كما كان من قبل. إنها معقل هيئة تحرير الشام بشكل فعلي. في وقت سابق من هذا الشهر، هاجم الجهاديون حركة نورالدين الزنكي المنافسة في محافظة إدلب وريف حلب، وانتزعوا السيطرة على 20 بلدة وقرية. إن هزيمة حليف أنقرة، وهو جزء من الجيش السوري الحر، تُعرّض للخطر اتفاقاً توصل إليه بوتين وأردوغان في شهر سبتمبر الماضي كي تقوم تركيا بنزع سلاح هيئة تحرير الشام.

في الفترة التي سبقت زيارة الرئيس التركي لموسكو، انتقد وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف تركيا لتقاعسها عن الالتزام بالاتفاق حتى النهاية. في الوقت الحالي يلعب بوتين دور الشرطي الجيد ويعطي تركيا الفضل في القيام بكل ما في وسعها.

وقال بوتين أيضاً إن مسؤولي الأمن والدفاع في الجانبين ما زالوا يجرون محادثات. في الواقع، رافق هاكان فيدان، رئيس جهاز الاستخبارات الوطنية التركي أردوغان، بعد زيارة موسكو في نهاية شهر ديسمبر مع وزير الدفاع التركي خلوصي أكار.

ومع ذلك، في واقع الأمر لم يعد هناك الكثير من الوقت في انتظار إدلب. دون أي خطة لكيفية التعامل مع هيئة تحرير الشام، لن تكون تركيا قادرة على تأجيل عملية النظام ضد الجيب لفترة أطول.

يبدو أن ورقة التفاوض الرئيسية لدى أنقرة تتمثل في اللجنة الدستورية السورية المستقبلية. ولكي تبدأ اللجنة عملها بنجاح، تحتاج روسيا والأسد إلى موافقة تركيا باعتبارها راعية للمعارضة. مما لا شك فيه تعرضت اللجنة للعراقيل بسبب الخلافات السياسية بشأن تشكيلها. لكن بوتين يشير الآن بأصابع الاتهام إلى فرنسا وبريطانيا وألمانيا كمخربين.

في المؤتمر الصحافي، أخرج بوتين نسخة من الرسالة التي أرسلتها الدول الثلاث إلى الأمم المتحدة للمطالبة بعدم إعطاء تفويض للجنة الدستورية. وركز أردوغان، الذي حظي بالإشادة على عقد قمة رباعية مع بوتين والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، على إعادة إعمار سوريا ولم يحاول الرد على رواية الرئيس الروسي. بدا أردوغان يشعر بالارتياح لرؤية تركيا وروسيا تعملان جنباً إلى جنب دون الغرب.

وبشكل عام، أكدت المحادثات في موسكو على دور بوتين كصانع للملوك في سوريا. تريد تركيا أن تأخذ روسيا مصالحها في الحسبان، حتى لو كان ذلك على حساب إبعاد دمشق وطهران. يتحوط بوتين في رهاناته وهو على الأقل منفتح على مطالب أردوغان ولو من الناحية النظرية. لكن حتى لو كانت تركيا تحمل بعض أوراق اللعب، فإن لديها اليد الأضعف. ولكي تجعل الكرملين يأتي في صفها، فعليها أن تلعب بمهارة أكبر كثيراً.