لم يكن تفاؤل الرئيس المكلف سعد الحريري حول تشكيل الحكومة ووعده الجديد بحسم الأمور خلال الاسبوع المقبل مقنعا لكثير من اللبنانيين، ليس من باب التشكيك في نواياه، ولكن لأنهم باتوا بعد تسعة أشهر من المراوحة يعرفون كل العراقيل والعقبات التي تعترض عملية التأليف.

لا يختلف إثنان على أن الحريري رمى حجرا في المياه الحكومية الراكدة، وأعاد الحرارة الى خطوط الاتصالات والمشاورات بعد نحو شهر من الجمود الكامل والصمت الذي تحصن به الى حدود الاعتكاف، وهو من المفترض أن يستكمل الاجتماع الذي عقده مع الوزير جبران باسيل في بيت الوسط قبل أيام، في العاصمة الفرنسية باريس التي وصل إليها الحريري مساء أمس الأول، ولحق به باسيل قادما من دافوس، حيث سيضعه في أجواء الاجتماعين اللذين عقدهما مع الرئيس نبيه بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط لبحث إمكانية تبديل بعض الحقائب الوزارية، حيث تشير المعلومات الى أن الحريري خرج من الاجتماعين من دون حصوله على موقف إيجابي من الطرفين اللذين رفضا التخلي عن أي حقيبة من حصتهما.

كثيرة هي التساؤلات التي تطرح في الأوساط السياسية، لجهة: على ماذا إعتمد الرئيس الحريري في تحديد الاسبوع المقبل لحسم أمر الحكومة؟، وهل وصلته إشارات إيجابية من مكان ما محليا أو إقليميا؟ وهل يحتمل الرجل إخفاقا جديدا وهو الذي مرّ على وعده الأول (الحكومة ستبصر النور خلال عشرة أيام) 114 يوما؟، وماذا لو حصل هذا الاخفاق؟ هل سيتجه الى تصريف الأعمال ويترك تشكيل الحكومة الى أن تصبح الظروف مؤاتية؟، أم أنه سيفجر مفاجأة الاعتذار ويحمل الجميع مسؤولياتهم ويسمي الأشياء بأسمائها؟..

كل المعطيات تشير الى أن العقد تزداد أمام عملية التأليف، فرئيس الجمهورية لم يوافق بعد على أن يكون وزيره السني من حصة اللقاء التشاوري حصرا وغير معني بالتصويت الى جانبه، والوزير جبران باسيل لم يعلن أنه تخلى عن الثلث المعطل (11 وزيرا)، وحزب الله لن يفرط في تمثيل سنة 8 آذار الذين أكدوا في إجتماع اللقاء التشاوري أمس أن وزيرهم سيكون من النواب الستة أو المرشحين الثلاثة ولن يكون هناك جواد عدرة جديد، كما سيكون ممثلا حصريا لهم على طاولة مجلس الوزراء يصوّت بحسب توجهاتهم وليس بحسب توجهات أي فريق آخر، كما شددوا على أن الحكومة لن تبصر النور إلا إذا كانت وفق صيغة الثلاث عشرات، أي من دون ثلث معطل، وطبعا فإن اللقاء لا ينطق عن الهوى، خصوصا أنه جزء أساسي من محور كامل بقيادة حزب الله، ما يعني أن ما صدر عنه يلقى دعم وموافقة الحزب، الأمر الذي قد يضاعف من التوترات بينه وبين رئاسة الجمهورية والتيار الوطني الحر.

كذلك فإن البحث في تبديل بعض الحقائب الوزارية بين بعض التيارات السياسية قد يؤدي الى نسف كل التركيبة الحكومية التي أرساها الرئيس الحريري، علما أن الرئيس بري غير راض عن التنازل عن حقيبة البيئة للتيار الوطني الحر مقابل حصوله على الاعلام، وكذلك يرفض جنبلاط التنازل عن حقيبة الصناعة بحجة أن الشارع الدرزي لم يعد يحتمل المزيد من التنازلات، في وقت يرفض فيه سمير جعجع الحديث معه في هذا الأمر معتبرا أن التنازلات التي قدمتها القوات اللبنانية كبيرة جدا، وهي غير مستعدة للتخلي عن أي حقيبة.

كل ذلك يوحي أن ما أعلنه الحريري عن حسم أمر الحكومة خلال الاسبوع المقبل، ما يزال مجرد سراب يحسبه الظمآن ماء، إلا إذا كان ثمة قرار دولي وإقليمي بالافراج عن الحكومة عندها ربما يرضخ الجميع وتحل الأمور بسرعة قياسية، وإلا فإن تصريف الأعمال سيبقى سيد الموقف طالما أن الحريري (بحسب مصادر تيار المستقبل) ليس بوارد الاعتذار..