مع سفر الرئيس المكلف سعد الحريري إلى باريس في إجازة عائلية قصيرة، حسب ما أعلن مكتبه الإعلامي، توقفت عجلة المشاورات والاتصالات لتذليل ما تبقَّى من عقد تعيق ولادة حكومة الوفاق الوطني العتيدة، مما يترك أكثر من علامة استفهام حول مدى جدية الرئيس المكلف عندما حدّد من دارة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الأسبوع المقبل لحسم الموضوع الحكومي، وماذا كان يقصد بهذه العبارة.

الأجواء التي أعقبت حركة الرئيس المكلف خلال هذا الأسبوع كانت مشجعة إلى حدّ ما، وتدل على أن ثمة قناعة تولدت عند معظم القوى السياسية بأن وضع البلد اقتصادياً واجتماعياً ومالياً لم يعد يسمح لا بالترف السياسي ولا بـ«تضييع» الوقت، ولا بالتشاطر بقدر ما يحتاج إلى تعاون جميع هذه القوى لإيجاد مخرج متوازن لأزمة تشكيل الحكومة في أسرع وقت وقبل أن يفوتنا القطار ويتحول لبنان إلى دولة فاشلة على حدّ ما جاء في آخر التقارير الدولية، غير أن بعضاً من هذا التفاؤل ما لبث ان تبدّد وبظهور حدثين بارزين اولهما تأكيدات النواب السُنَّة الستة على التمسك بتمثيلهم حصرياً في الحكومة العتيدة، في مقابل إعلان رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل تمسكه بأن يبقى من يمثلهم من حصة رئيس الجمهورية وذلك بالتزامن مع تأكيد حزب الله التزامه بدعم تمثيل النواب السُنَّة حصرياً مهما طال أمد الأزمة الوزارية، ما يعني صراحة ان لا تقدّم حصل على صعيد التأليف، وأن العكس هو الصحيح، أي ان أزمة التأليف ما زالت تراوح مكانها، واتجهت كل الأنظار إلى ما سيقوله السيّد حسن نصر الله مساء اليوم السبت، بعدما أصبحت كل مفاتيح الحل والربط في جيبه، فإما أن يتخلّى عن تمثيل النواب السُنَّة وهذا غير وارد وإما ان يُؤكّد استمرار تمسكه بتمثيلهم، وهذا يعني بصريح العبارة أن أزمة التأليف مستمرة، وأن ما تحدث عنه الرئيس المكلف عن الحسم في الأسبوع المقبل، ما هو الا مجرّد تمنيات لا أساس لها على أرض الواقع.

ولكن ماذا عن حال الدولة في حال طال أمد أزمة تأليف الحكومة، بعد تقرير «موديز» الأخير بتخفيض تضيف لبنان إلى «C.A.AI»، وبعد الاجتماعات المكثفة التي تعقد في القصر الجمهوري لتأمين رواتب وأجور الموظفين في الدولة، وماذا عن الأصوات المرتفعة للجمعيات المعنية، بالاقتصاد ولأهل الخبرة في هذا المجال محذرة من الانهيار في حال لم يبادر المسؤولون إلى التقاط الفرصة، ووقف الانهيار قبل أن يفوت الأوان.

لا شيء في الأفق المنظور يوحي بأن القوى السياسية المنشغلة في الإشتباك السياسي حول المحاصصة، مستعدة للتخلي عن هذه اللعبة الوسخة والانخراط بشكل جدي في عملية إنقاذ الوضع من الانيهار الذي أصبح على قاب قوسين أو أدنى، والذي ما زال بعض المسؤولين يعتقدون بأن الأبواب لم تغلق بعد في وجوههم، وبالتالي لا يزال الوقت متّسعاً للاستمرار في لعبة تحقيق المكاسب على حساب الشعب اللبناني الذي أصبح بأكثريته تحت خط الفقر، فكيف الحال بالنسبة إلى الدولة؟