تغييب الامام الصدر والدور المفترض للنظام السوري آنذاك.
 

أولاً: السيد موسى الصدر.. حركة المحرومين...

بعد رحيل العلاّمة السيد عبد الحسين شرف الدين أواسط الخمسينيات من القرن الماضي، طلب آل شرف الدين إلى أحد أقربائهم السيد موسى الصدر لخلافته وذلك عام 1958، ويُشير وضاح شرارة بهذا الصدد إلى أنّ استقدام الصدر، اللبنانيّ الأصل والإيرانيّ المولد أمارة على نضوب سلائل العلماء المحلّيّين، وكان الراحل الشيخ محمد جواد مغنية قد كتب مُشترطاً على من يتصدّى لمنصب "رئاسة العلماء في جبل عامل" شرط "سياسة الحياد وعدم الانحياز لهذا أو ذاك، ولو تظاهر عليه المُبطلون".

تربّع السيد الصدر في صدارة الطائفة الشيعية مُمسكاً بزمام أمورها، حتى غدت قبل اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975 طيّعةً بين يديه، تتوسّل الرفعة والحماية تحت عباءته، وكان جديراً بذلك، فأنشأ المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، بما يسمح للطائفة الشيعية الانتظام في سلك المؤسسات الدينية العليا، وبادر إلى فتح مؤسسات تعليمية ومهنية في منطقة صور، حيث إقامته الدائمة، وفتح مستشفى الزهراء في بيروت، وما لبث أن تزعّم حركة سياسية دينية دُعيت بحركة المحرومين، والتي أطلق من خلالها تظاهراتٍ شعبية ضخمة في بعلبك-الهرمل وصور، وكان شعارها ثورة الجياع، وقضّ مضاجع الأغنياء والأثرياء.

إقرأ أيضًا: الدخيل: عون وكيل الأسد وإيران! حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا

ثانيا: الحرب الأهلية وتغييب الصدر...

داهمت الحرب الأهلية اللبنانية التي اندلعت عام 1975 السيد موسى الصدر و"حركته" الفتيّة، وبعد أن كانت اهتماماته مُنصبّةً على دخول الطائفة الشيعية دخولاً سلساً في الحياة السياسية اللبنانية، وحصولها على حقوقها الدينية والإدارية والتّمثيليّة، إذ به يشهد جنوح حركة المحرومين نحو بناء قوّة عسكرية وسياسية مرصوصة تحت الوصاية السورية، وما لبثت أن انغمست في اشتباكاتٍ مُسلّحة مع القوات المسلّحة الفلسطينية وحلفائها في الحركة الوطنية اللبنانية، وتصاعدت تلك الاشتباكات بعد الغزو العسكري الإسرائيلي لجنوب لبنان عام 1978 وإنشاء حزام أمني إسرائيلي على الحدود اللبنانية-الفلسطينية، ولم تنفع في حينها كلّ التّفاهمات ومحاولات وقف إطلاق النار بين الطرفين، وتصاعد الصراع المحموم بين الرئيس حافظ الأسد والزعيم الفلسطيني ياسر عرفات حول التزاحم على وضع اليد على المناطق اللبنانية "الخارجة" عن سيطرة القوات اللبنانية بقيادة الرئيس بشير الجميل.

في خضمّ هذه الاشتباكات والتّقاطعات المحلّية الإقليمية، كان لا بد أمام القيادة السورية سوى تغييب السيد الصدر وتهيئة قائد لحركة أمل أكثر طواعية وانقياداً للإرادة السورية، وهكذا تمّ اختطاف الصدر في ليبيا وتغييبه أواخر آب عام 1987، ورغم مرور أكثر من أربعين عاماً على تلك الحادثة الغامضة -المأساوية، ولم يتمكّن أحدٌ من كشف بعض خفاياها المرعبة، مع أنّ ما هو مُرجّحٌ في هذا الصدد، أن تكون للرئيس السوري الراحل حافظ الأسد اليد الطولى في عملية اختطافه وتغييبه، ودورٍ ما للرئيس الجزائري الراحل هواري بو مدين، وأنّ القائد الليبي معمر القذافي كان مجرّد أداة تنفيذ بإرادة مجرمة وحاقدة.

رحل الفاعلون عن هذه الدنيا الفانية، وبقيت حركة موسى الصدر بين يدي الرئيس نبيه بري، أو حامل أمانتها، كما يطيب لمناصريه أن يدعوه بها، وتستّر المستفيدون من غيابه على القتلة المأجورين، وتقاعسوا في فضح أبطال هذه الجريمة التي لا تزال، وستبقى على ما يظهر، حاضرةً في وجدان أبناء الطائفة الشيعية في لبنان، وباتوا يعتقدون أنّ عندهم إمامٌ غائب ينتظرون عودته منذ أكثر من ألف عام، بجانب إمام مُغيّب ينتظرون عودته منذ أكثر من أربعين عاماً، ومنهم من قضى، ومنهم من ينتظر، وما بدّلوا تبديلا.