“أسمع كلامك أصدقك أشوف أمورك أستعجب”.. ربما ينطبق هذا القول على كل عرّابي تشكيل الحكومة من الرئيس سعد الحريري الى الوزير جبران باسيل الى سائر الأطراف الأخرى والذين يبدو أنهم يبيعون اللبنانيين كلاما “لا يسمن ولا يغني من تأليف” حيث أن كل المعطيات تؤكد أن التفاؤل الذي أشيع خلال الساعات الماضية كان مصطنعا، وأن الحكومة ما تزال أسيرة العراقيل والعقبات خارجيا وداخليا، ما يؤكد أن الحركة التي قام بها الرئيس سعد الحريري كانت من دون بركة وهي فقط من أجل “ذر الرماد في العيون”.

كثيرة هي علامات الاستفهام التي رُسمت خلال الساعات الأخيرة، فالرئيس الحريري الذي أكد أنه سيحسم أمر الحكومة خلال الاسبوع المقبل، فاجأ الجميع بمغادرته الى باريس ليل أمس في زيارة عائلية، فيما الوزير باسيل موجود في دافوس، حيث قرر أن يمدد إقامته للتمتع بعطلة يمارس فيها هواية التزلج، فكيف يمكن تشكيل الحكومة خلال إسبوع في ظل هذا الغياب؟..

في غضون ذلك، ترفض الأطراف الأخرى المعنية البحث في رغبة باسيل بتبديل أي من الحقائب الوزارية، أما اللقاء التشاوري الذي يعقد إجتماعا اليوم في منزل النائب جهاد الصمد في طرابلس، فيتمسك بأن يكون وزيره ممثلا له حصرا، نافيا عبر مصادره أن يكون قد أعلن أو أوحى بقبوله أن يكون وزيره من دون صوت على طاولة مجلس الوزراء، أو أن لا يصوّت ضد قرارات رئيس الجمهورية.

تقول هذه المصادر: “إن أعضاء اللقاء التشاوري ليسوا على خلاف مع رئيس الجمهورية، بل على العكس فهم يدعمون موقفه وتوجهاته الى أبعد الحدود، لكنهم لن يسيروا ضد قناعاتهم، وإن ممثلهم في الحكومة سيعبر عن وجهة نظرهم فإذا تطابقت مع وجهة نظر رئيس الجمهورية يصوت الى جانبه، وإذا لم تتطابق فلن يصوّت معه، بل سيمارس حقه في التعبير عن رأيه الذي سيكون منبثقا عن اللقاء التشاوري الذي يصر على أن يكون التمثيل من النواب الستة أو من المرشحين الثلاثة الذين تمت تسميتهم”، مشددة على أن “سيناريو جواد عدرة لن يتكرر لاحقا”.

هذا الواقع يشير الى أن الحكومة ما تزال في علم الغيب، وأن الرئيس الحريري سيقع في محظور عدم الوفاء مجددا بالوعد والموعد اللذين قطعهما، خصوصا أنه منذ 113 يوما أعلن أن تشكيل الحكومة سيكون خلال إسبوع أو عشرة أيام على أبعد تقدير، ومنذ ذلك الوقت تتلاشى المواعيد الواحد تلو الآخر، ليرتفع عداد أيام التعطيل ويُحرج الحريري أكثر فأكثر.

تؤكد المعلومات أن الحريري تلقى سلسلة نصائح من مقربين بأن الصمت الذي يلتزمه الى حدود الاعتكاف يعطي إنطباعا بأنه يتخلى عن دوره وصلاحياته كرئيس حكومة مكلف، وأنه يفرط بذلك لحساب جبران باسيل وغيره، الأمر الذي يضعف موقع رئاسة الحكومة.

وبناء على هذه النصائح، قام الحريري بسلسلة زيارات ولقاءات، تشير المعطيات الى أنه أصاب من خلالها عصفورين بحجر واحد، سواء لجهة تحريكه بالشكل المياه الحكومية الراكدة، أو لجهة وصل ما إنقطع مع الرئيس نبيه بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، لكنه في الوقت نفسه ورّط نفسه بموعد جديد ينتظره اللبنانيون ويتطلعون الى أن تولد الحكومة فيه، وإلا فإن الحريري سيجني المزيد من الخيبات، ليبقى التأليف في حال من المراوحة القاتلة، وتبقى البلاد في فراغ حكومي ربما بات يحتاج الى “منجم مغربي” ليعلم متى أوان الخروج منه.