يبدو أن عوامل ضغط عديدة داخلية وخارجية، سياسية ومصلحية ومالية واقتصادية واجتماعية وشعبية، تضافرت جميعها لتصب في اتجاه تغليب تسريع تشكيل الحكومة ضمن مبادئ توافق عامة تُرضي كل الاطراف تقريبا كما هو الحال دوما في اي تسوية سياسية حول أي أمر كبير او صغير في لبنان، ولو لم يحصل طرف ما على كل ما كان يطلبه او يتمناه، ذلك ان الصيغة اللبنانية السياسية «الفريدة جدا» بعد التطبيق العشوائي والانتقائي والمشوّه لاتفاق الطائف ودستوره فرضت توازنات  تُزان «بميزان الجوهرجي» بحيث لا يُسمح لجهة او فئة بأن تطغى على اخرى.

وواقع الحال ان تسارع حركة الاتصالات المكثفة لتشكيل الحكومة خلال الايام القليلة الماضية التي تلت انتهاء القمة الاقتصادية التنموية العربية في بيروت الاسبوع الماضي، جاء بعد تراكم «الرسائل الخارجية» المتناقضة والمتضاربة والضاغطة على لبنان، تارة من الاميركيين عبر زيارات الموفد ديفيد هيل وقائد المنطقة المركزية الوسطى للجيش الاميركي الجنرال جوزف فوتيل وما حملاه من تصريحات وتلميحات تتعلق بـ«حزب الله»، وطورا من المؤسسات المالية الدولية وتصنيفاتها السلبية للبنان، لكن كل الحركة التي حصلت حتى الان تركزت على مسألتي تمثيل اللقاء التشاوري للنواب السنة المستقلين، وعلى  تبادل بعض الحقائب بعد رغبة «التيار الوطني الحر» بالحصول على حقيبة البيئة التي كانت مخصصة لـ«حركة امل»، ما استدعى من الرئيس المكلف جس نبض القوى السياسية حول امكانية الموافقة على هذا التبادل. 

وترى مصادر نيابية في «تكتل لبنان القوي» ان الرئيس عون ومن وراءه التكتل باتا يضغطان ايضا من اجل تسريع تشكيل الحكومة، «لأن الوضع لم يعد يحتمل مزيداً من التأخير لا سياسيا ولا شعبيا ولا اقتصاديا، وان رصيد العهد و«التيار الحر» يتراجع  نتيجة المماطلة في تشكيلها ونتيجة التنازلات التي قدمناها وصبر الرئيس عون وصبرنا على هذه المماطلة».

وتقول المصادر: «لقد صبرنا وسكتنا وأعطينا الفرص وقدمنا الاقتراحات لحل كل التعقيدات امام تشكيل الحكومة لاننا اعتقدنا ان هناك مصلحة للعهد وللبلد، لكن كل ذلك ذهب هباء، وبدأت الاتهامات تطالنا وتطال العهد وتحملنا المسؤولية، لذلك لن نقبل بهذا الواقع».

وفي هذا السياق، ذكر زوار بعبدا لـ«اللواء»: ان الجهد يتركز على حل موضوعي تبادل بعض الحقائب، وكيفية تموضع وزير «اللقاء التشاوري للنواب السنة المستقلين» بعد حسم امر تمثيله، مع ان مصادر اللقاء تؤكد ان احدا لم يطرح عليه شيئا بعد. لكن زوار بعبدا يؤكدون انه اذا استمر مسار تشكيل الحكومة على النحو الحالي من الايجابية فإن الحكومة قد تبصر النور نهاية هذا الشهر ان لم يكن قبل ذلك.

واوضح الزوار ان موضوع تموضع وزير «اللقاء التشاوري» متروك للحظة الاخيرة، لأنه بات تفصيلا وإخراجه سيتم في اللحظة الاخيرة، لكن الزوار ابدوا خشية من ظهور شياطين بعض التفاصيل، لكنهم اشاروا الى ان الجو الضاغط على لبنان وعلى المسؤولين جميعا فرض عليهم الاسراع في بت تشكيل الحكومة وتقديم التنازلات.  

وعلى هذا الاساس توزّع الرئيس المكلف سعد الحريري ورئيس «التيار الوطني الحر» مهمتي معالجة تبادل الحقائب وتمثيل وتموضع «اللقاء التشاوري»، وسط اجواء توحي باحتمال تدوير بعض الزوايا الحادة، حيث تردد ان الرئيس نبيه بري يوافق على التخلي عن حقيبة البيئة مقابل الحصول على حقيبة الصناعة المخصصة «للقاء الديموقراطي» والحزب التقدمي الاشتراكي، وهو ما سعى الحريري لاقناع رئيس الحزب التقدمي وليد جنبلاط به خلال زيارته «كليمنصو» امس، على أن تسند له وزارة التنمية الادارية، بعد التسريبات عن رفض الحزب التقدمي التخلي عن حقيبتي التربية والصناعة خاصة لمصلحة «التيار الحر».

وبالنسبة لتمثيل اللقاء التشاوري وتموضعه، تقول مصادر «تكتل لبنان القوي»: ان المشكلة بالاساس هي سنية - سنية وحلها كان يفترض ان يتم من قبل الرئيس سعد الحريري، لكن الرئيس عون والوزير جبران باسيل ومن باب التسهيل والمساعدة على الحل، اقترحا ان يكون «للقاء التشاوري» وزير من حصة الرئيس عون ومع «كتلة لبنان القوي» لكنه يكون ايضا من حصة «اللقاء التشاوري» ويحضر اجتماعاته، كما يحصل الان بالنسبة لوزير حزب «الطاشناق»  الذي ينتمي لكتلة ارمنية ويحضر اجتماعاتها ويحضر اجتماعات تكتلنا، او وزير كتلة «ضمانة الجبل»  التي يرأسها الوزير طلال ارسلان، هو من حصة «تكتل لبنان القوي» ولكنه يجتمع مع كتلته النيابية او الجهة السياسية التي ينتمي اليها.

ولكن تبقى المشكلة في اقناع «اللقاء التشاوري» بأن تكون لوزيره «رجل في البور ورجل في الفلاحة»، وهو امر لم يُحسم بعد، إذ لا زال «اللقاء» متمسكا بأن يكون وزيره من حصته وملتزما قراراته ويحضر اجتماعاته، إلا ان مصادر اللقاء تؤكد لـ«اللواء» ان اركانه ابدوا استعدادهم للتنسيق مع رئيس الجمهورية خلال جلسات مجلس الوزراء في كل الامور والقضايا المطروحة والقرارات التي ستتخذ، وهو أمر طبيعي إذ يُفترض بكل القوى السياسية ان تتعاطى مع رئيس الجمهورية من هذا المنطلق.

ومع تسريبات بعض القوى المناوئة لـ«فريق 8 اذار» السابق، بأنه يسعى ضمنا ومن دون ان يعلن، للحصول على الثلث الضامن في الحكومة عبر إصراره على توزير سني من فريقه والوزير الذي يسميه الوزير طلال ارسلان، و«احتمال تحالفه أو اتفاقه» في بعض القضايا المطروحة امام مجلس الوزراء مع وزيري الحزب التقدمي بحيث يصبح عدد الوزراء (ستة لثنائي امل وحزب الله ومع وزير المردة والسني المستقل ووزير ارسلان) 11 وزيرا، فإن مصادر «فريق 8 اذار» تسخر من هذه التسريبات وتؤكد ان لا الثنائي الشيعي ولا الوزير ارسلان ولا حتى الحزب التقدمي بوارد تشكيل ثلث معطل لا بوجه الرئيس عون ولا بوجه الرئيس الحريري، وهو ما تؤكده مصادر «تكتل لبنان القوي» بالقول: انه لا مصلحة لا لـ«حزب الله» ولا للرئيس بري ولا لتيار «المردة» ولا للوزير ارسلان بفتح خلاف قوي مع الرئيس عون ولا مع الرئيس الحريري، لأن ذلك يطيح بكل ما تم انجازه من تفاهمات بين هذه الاطراف ويعيد البلد الى مرحلة الانقسامات الخطيرة، وهو امر غير وارد في ظل الاجواء الاقليمية والدولية المتوترة في مكان والمتفجرة في مكان آخر.