سؤال يتردَّد كثيراً في بيئة «حزب الله»: «لماذا يريد الرئيس ميشال عون الثلث المعطّل إذا كان لنا- كفريق سياسي- 18 وزيراً من أصل 30؟». وفي عبارة أخرى، «هل هناك تفكير لدى فريق عون في استخدام الثلث المعطِّل ضد فريقنا السياسي؟»
 

هناك أزمة ثقة بين الطرفين لا ينفيها أيٌّ منهما، عون و«الحزب». وهذه الأزمة ليست سوى ترجمة للنزاع الدائر بين إيران من جهة وواشنطن وحلفائها العرب من جهة أخرى، وبينهما موسكو ودمشق.

ويميل البعض إلى الاعتقاد أنّ «حزب الله» هو الوحيد الذي يلعب «صولد» لمصلحة إيران في لبنان، فيما حلفاؤه في 8 آذار لهم اعتبارات أخرى. فعون لا يجد مصلحة في أن يتقوقع إيرانياً حصراً، وأن يخوضَ المواجهة انتحارياً ضد الأميركيين والعرب. فحتى موسكو والأسد لم يعودا في هذا الوارد.

يعتقد «الحزب» أنّ عون وفريقه السياسي سيتسبَّبان له «بوجع الرأس» إذا امتلكا الثلث المعطّل. فالمؤشرات توحي بـ«استقلالية» واسعة عن «الحزب» يتصرّف بوَحْيِها باسيل. وقد ظهرت في كل المرحلة السابقة، وتبدو واضحة خلال عملية تأليف الحكومة. ولذلك، يفكّر «الحزب» في امتلاك كل أوراق القوة، عنه وعن حلفائه، بحيث لا «يستقلّ» أيٌّ منهم في سلوكه.

يعتقد البعض أنّ الظروف قد تدفع في المرحلة المقبلة إلى أن تتباين المصالح والقراءات بين «الحزب» وحلفائه، على خلفية النزاع الذي تخوضه إيران مع مَحاور عربية ودولية.

وفي هذه الحال، هو قد يتعرّض للاستضعاف السياسي، خصوصاً إذا استمرّ التقارب صلباً بين عون والحريري. ولذلك، يعمل «الحزب» لتعطيل هذا التقارب بمقدار ما يعمل لإحباط امتلاك عون الثلث المعطِّل.

وبناءً على هذه المعطيات، يمكن القول إن لا حدود زمنية لأزمة تأليف الحكومة. فمهما طال الوقت، لن يسمح «الحزب» بالتأليف ما لم يضمَن الغلبة على القرار، وعون لن يتيح التأليف ما لم يحصل على الثلث المعطّل، والسعوديون والأميركيون يضغطون على الجميع: إياكم وتسليم «الحزب» قرار البلد!

وضمن هذه الرؤية، يحاول باسيل تقديم الإغراءات لعله يُنقذ العهد، بدءاً بولادة الحكومة. ولكن، ليكون العهد قوياً، لا يتخلّى باسيل عن «الثلث الضامن» في أيِّ صيغة يطرحها. واللافت أنه، في الصيغة الأخيرة، أغرى الحريري بحصة مريحة في حكومة من 32، لكنّ الاعتراض جاء من «الثنائي الشيعي».

لقد بدا باسيل واثقاً من نفسه عندما خرج من اللقاء مع الحريري ليقول إنّ الرئيس المكلّف «وافق» على الصيَغ المطروحة. وللمرّة الأولى يتحدث باسيل عن «الموافقة» بصراحة، ما يعني أنه فعلاً سمع من الحريري كلاماً إيجابياً إزاء خطته.

وكان باسيل يأمل في أن يوافق «حزب الله» والرئيس نبيه بري أيضاً على الطرح لأنه يحجز لحليفهما السنّي، «اللقاء التشاوري»، وزيراً يمثّله بلا التباس. لكن «الثنائي» رفض الطرح ما دام يحفظ الثلث المعطّل لرئيس الجمهورية.

في الخلاصة، إذا لم ينصح الإيرانيون «حزب الله» بالموافقة على صيغةٍ حكومية مطروحة، وإذا لم يبلغ السعوديون الى حليفهم الحريري بالموافقة على صيغة معيّنة، وإذا لم يُعطِ الأميركيون حلفاءهم الضوء الأخضر على تركيبةٍ لا يسيطر عليها «حزب الله»، فإنّ القوى الداخلية جميعاً ستواصل عمليات المناورة وإضاعة الوقت والإيحاء بوجود مشكلة داخلية هنا وأخرى هناك، تَهرُّباً من الحقيقة، فيما جوهر المسألة موجود في مكان آخر.

ولأنّ عملية إضاعة الوقت ليست مجانية، فعون يدرك أنّ «العهد القوي» قد دخل مرحلة حسّاسة. ويقترب الرجل من منتصف الولاية ولم يبدأ حتى اليوم «عهده الحقيقي» الذي وعد به، بعد الانتخابات النيابية وتأليف الحكومة، وفيما كل مؤشرات الاقتصاد والمال تتراجع إلى حدود خطرة. وقد جاء مشهد «الإفلاس» السياسي والاقتصادي في القمة الاقتصادية العربية ليزيد القلق.

ولذلك، في أيّ ثمن، يريد رئيس الجمهورية ولادة الحكومة. ولكنه قد يكون الوحيد المستعجل فعلاً، فيما الآخرون لا يزعجهم انتظار إما الولايات المتحدة والسعودية وإما إيران.

وضمن «توازن الرعب القاتل» على الساحة الداخلية، ستطول أزمة الحكومة حتى بلوغ الانهيار… إلّا إذا دخلت عناصر جديدة من شأنها تحريك المستنقع. فما هي؟

البعض يعتقد أنّ استحضار المُعطى السوري قد يكون أحد هذه العناصر الجديدة. فإذا فتح عون خط التواصل المباشر مع دمشق، قبل تأليف الحكومة، سيعاد خلط الأوراق بقوة.

وعلى الأرجح، سيخلق ذلك دينامية داخل تحالف 8 آذار الذي يضم رئيس الجمهورية و«حزب الله» وقوى أخرى، ويطرح مجدداً طريقة ترتيب العلاقات في داخله.

وثمة مَن يرى أنّ دمشق قد تلجأ في لحظة معيّنة إلى إقناع «الحزب» بالموافقة على أن يكون لرئيس الجمهورية وفريقه السياسي الثلث المعطّل، والاطمئنان إلى أنّ هذا الثلث لن يُستَخدم ضده لا في التكتيك ولا في الاستراتيجيا. وفي هذه الحال، قد يوافق «الحزب».

وعندئذٍ، ستتألف الحكومة، ولكن «بالدَّين»، أي بالسلفة التي تمّ قبضها من دمشق. وبعد ذلك، سيكون مطلوباً ردُّ الدَّين… وهنا لكل حادث حديث.