في جميع الحالات لن يكون لدعوة هادي العامري وقيس الخزعلي وأبي مهدي المهندس ونوري المالكي، ومن ورائهم قاسم سليماني، إلى إخراج القوات الأميركية من العراق سلما أو حربا، كما زعموا، سوى نتيجة واحد معروفة سلفا، وهي سواد الوجه والخيبة والخسران.
 

لم تكن مفاجأة لأحد هذه الغيرة الوطنية العراقية التي استفاقت فجأة لدى قادة الأحزاب والميليشيات الموالية لإيران المطالبين بإخراج القوات الأجنبية من العراق، والمعلنين قدرتهم على إخراجها بالقوة، وعلى حماية الوطن من دونها.

ولو كان هؤلاء المطالِبون غير المعروفين بأنهم مستخدمون بأجور مقطوعة لدى حكومة أجنبية في وطنهم العراق، ولو أطلقوا دعوتهم تلك ضد كل وجود أجنبي، دون تمييز بين واحد حرام وآخر حلال، لتطهير الوطن من الاحتلال، وتحرير إرادته من كل وصاية وإذلال، لوقف لهم الشعب العراقي إجلالا واحتراما، ولخاض معهم حربهم هذه ضد كل محتل أجنبي دخيل.

ولكن المسألة تصبح خيانة جديدة لا وطنية حين تكون حربا لحساب حكومة أجنبية ضد حكومة أجنبية أخرى، على أرض العراق، وبدماء أبنائه وأمواله، وعلى حساب أمنه وسيادته، وحين يكون قائدها واحدا مثل هادي العامري القائل، علنا، قبل زمن ليس ببعيد، وعلى شاشات التلفزيون “إن العراقيين مطلوب منهم أن يقيموا تمثالا لقاسم سليماني لأنه حررهم من داعش”، والقائل في أيام حرب وطنه العراق مع جارته إيران، وهو يرتدي لباس المجندين الإيرانيين “إذا قال الإمام صُلح، صُلح، وإذا قال الإمام حرب حرب، نحن مع الإمام”.

أعلن منصور البعيجي، النائب عن تحالف البناء، أن “قانون إخراج القوات الأجنبية من الأراضي العراقية يشهد اللمسات الأخيرة، وسيُقدم إلى رئاسة مجلس النواب لإدراجه على جدول الأعمال، من أجل تمريره بأسرع وقت ممكن”.

وأضاف قائلا إن “الحاج هادي العامري وأبومهدي المهندس وفالح الفياض وبعض قادة الجيش شرعوا بكتابته، وهو يشهد اللمسات الأخيرة، وسيقدم عند صياغته النهائية، ولن تبقى هنالك أي قوات على أراضينا، سواء كانت متواجدة، أو قادمة من سوريا إلى العراق، وإننا نستطيع حماية بلدنا من خلال قوات الحشد الشعبي، ولن نسمح ببقاء جندي أجنبي واحد تحت أي مسمى كان”.

طبعا ليس مستبعَدا ولا صعبا أن يُقرَّ ذلك القانون، بسرعة وسهولة، برلمان من نوع البرلمان الذي عندنا في العراق. فرئيسه وأعتى أعضائه وأشدُهم بأسا وقوة لم يدخلوا تحت قبته إلا بموافقة الحاج قاسم سليماني وبشروطه، وذلك باعتراف كثيرين من شيعة إيران وسنتها وأكرادها، وكما ثبت وانكشف من خلال قوانين وقرارات عديدة اتخذها هذا البرلمان لم تُثلج غير صدر السفير الإيراني وقاسم سليماني، ولم تعد على وطنه وأهله إلا بكل سوء.

ولكن السؤال الذي يهم الشعب العراقي أن يعرف جوابه الآن هو، ماذا سيحدث بعد صدور ذلك القانون؟ هل ستعتبره إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب صادرا عن إرادة وطنية عراقية حقيقية، فتضطر، خوفا من تهديدات هادي العامري وقيس الخزعلي، إلى الانسحاب وترك الجمل بما حمل للنظام الإيراني، دون جدال أو مماطلة، أم إن ساكن البيت الأبيض سيَسد أذنيه، ويُغمض عينيه، وكأن ذلك القانون لم يكن، معتبرا أن البرلمان الذي أصدره غير شرعي لا يمثل الشعب العراقي لأنه لم ينتخب بنزاهة ودون تزوير وإرهاب ورشوة، ثم يقرر البقاء في المعسكرات التي يزعج وجودُها النظام الإيراني وحده دون سواه، خصوصا في هذه الأيام التي تلاحقه فيها الخيبات والانكسارات، واحدة تلو واحدة؟

ترى، في هذه الحالة، ماذا سيفعل قادة الأحزاب والميليشيات الإيرانية العراقية، هل سيشنون حرب عصابات ضد القوات الأميركية في معسكراتها، أم يكفون عن هذه الجعجعة الفارغة خوفا من جنون ترامب، ومن بأس قواته المحيطة بالعراق من كل جانب، واقتناعا بأن طنطناتهم تلك لن تجبر ترامب على التراجع عن خططه الهادفة إلى خنق النظام الإيراني بالعقوبات التي يبدو أنها بدأت تفعل فعلها في الداخل الإيراني بما يهدد وجود النظام نفسه؟

وبالمناسبة، والشيء بالشيء يذكر، نشرت وكالة رويترز تقريرا عن اجتماع عُقد أخيرا في العاصمة الإيرانية بين مبعوثين أوروبيين وعدد من كبار المسؤولين الإيرانيين، خُصص لمناقشة ملف تجارب الصواريخ الباليستية، لكنه انتهى بطريقة غير متوقعة من الأوروبيين.

فقد “وقف المسؤولون الإيرانيون فجأة، وخرجوا من الباب، وأغلقوه بعنف، في خرق غير مألوف للبروتوكول، منزعجين من رسالة حملها دبلوماسيون من فرنسا وبريطانيا وألمانيا وهولندا وبلجيكا مفادها أن أوروبا لم تعد قادرة على تحمل تجارب الصواريخ الباليستية في إيران ومؤامرات الاغتيال على الأراضي الأوروبية”. في اليوم التالي، فرض الاتحاد الأوروبي أولى العقوبات على إيران منذ توقيع اتفاق فيينا مع طهران، بشأن برنامجها النووي عام 2015.

والذي يعيش في الولايات المتحدة ويعايش المزاج الأميركي العام هذه الأيام، يعلم دون شك بأن الغالبية العظمى من الأميركيين، وخاصة السياسيين والمثقفين والاقتصاديين، ومنهم ديمقراطيون منافسون لترامب وللحزب الجمهوري، متحمسة جدا لتأييد ترامب في سياسته الخاصة بإيران. رغم أن أحدا لا يؤيد نزاعا عسكريا أميركيا مع النظام الإيراني أو أذرعه المسلحة في العراق وسوريا والمنطقة. ويرى كثيرون منهم أن الحصار الاقتصادي والسياسي والعسكري كاف لوحده لتحقيق الهدف الأبعد وهو إسقاط النظام، أو حمله على العودة إلى جادة الصواب.

ولكن لا بد للمراقب السياسي العراقي والعربي أن يتأمل الوجود العسكري الأميركي في المنطقة، وحجمه ومواقعه، إضافة إلى ما عمدت الإدارة الأميركية مؤخرا على حشده في المنطقة من بوارج حربية، فسرها المراقبون بأنها رسالة تحذير لإيران من مغبة الإقدام على أي عمل عسكري قد تقوم به إيران ذاتها أو وكلاؤها.

وفي جميع الحالات لن يكون لدعوة هادي العامري وقيس الخزعلي وأبي مهدي المهندس ونوري المالكي، ومن ورائهم قاسم سليماني، إلى إخراج القوات الأميركية من العراق سلما أو حربا، كما زعموا، سوى نتيجة واحد معروفة سلفا، وهي سواد الوجه والخيبة والخسران.

ولكن الخاسر الأكبر من كل هذه المثلبة سيكون أمن الشعب العراقي وهيبته وكرامته وثرواته بفعل حماقات هؤلاء الحمقى المستأجرين على خراب ديارهم، والمكافأين على الخراب رواتب ومناصب ومكاسب، ولكن إلى حين.