بطاقتان صفراوان، هدفٌ مُلغى، أخطاءٌ تحكيمية، سوءُ التحضير، أخطاءُ المدرب، غيابُ البنية التحتية... تكثُر وتتعدّد المشكلات التي صُوِّبت نحوها أصابعُ الإتهام من قبل الجماهير والمحلّلين والإعلاميّين، بعد أن أُقصيَ المنتخبُ اللبناني من كأس آسيا «الإمارات 2019»، بفوزٍ وحيد أمام كوريا الشمالية 4-1 وهزيمتَين أمام قطر والسعودية بالنتيجة عينها (2-0).
مشاركةٌ أغنت عقول المتابعين ولفتت أنظارهم نحو القدرات البشرية التي يمتلكها لبنان خصوصاً بمواهبه المغترِبة التي تحترف في البطولات الأوروبية والآسيوية. وعلى الرغم من سوء التحضير والمشكلات العديدة التي انفجرت في العلن قبل، خلال وبعد المشاركة الآسيوية، قدّم المنتخب اللبناني نتائج منطقية جداً أظهرت بعقلانية مستوى الدوري المحليّ وانعدامَ البنية التحتية التي تسمح ببناء منتخب بإمكانه تجاوز الاضطرابات البدنية والفنّية وما إلى ذلك.
 
وعلى ضوء ذلك تحدّث المدير الفني لمنتخب لبنان المونتنغري ميودراغ رادولوفيتش لـ«الجمهورية» بالقول: «هل بإمكانك رؤية الدوري اللبناني في أيّ مرتبة على الأقل بين المئة الأوائل عالمياً؟ بالتأكيد لن تتمكّن من إيجاده، أما في ما يخصّ المنتخب فالعكس تماماً هو ما يجري، تأكيداً على ذلك حلولنا في المرتبة الـ77 منذ بضعة أشهر».

وخاض المنتخب تحت قيادة المونتنغري 35 مباراة (فازوا 13 مرة وخسروا 10 مباريات)، وسجّل اللاعبون 42 هدفاً مقابل 31 استقبلتها شباكهم. 

الملاعب مشكلة أكبر
وأردف رادولوفيتش قائلاً: «طبعاً الناس لا ترى ذلك، خضنا معسكراً في البحرين، لكننا عدنا إلى بيروت للتدرّب على ملعب عشب صناعي، ببساطة لأنّ المنتخب لا يملك حتى ملعباً بعشب طبيعي للتدريب. والأسوأ من ذلك أنّ اللاعبين كانوا يتمرّنون بالأحذية والكرات عينها التي خاضوا فيها معسكر البحرين»، بالإشارة إلى الفروقات بين نوعيّة الملاعب وضرورة تغيير نوعيّة الأحذية وحتى الكرات التي تؤثر بشكلٍ كبير على أسلوب اللعب مع اختلاف طبيعة كلّ أرضية ملعب.

وقارن التسهيلات بالتي قُدّمت لمنتخبي قطر والسعودية الذين أنفقا الملايين على معسكرات منتخبهما والوديات والتجهيزات وحتّى المبالغ الطائلة التي تُدفع من أجل تطوير مستوى الدوري، بالتي يمتلكها لبنان ملمّحاً إلى شبه انعدامها لدى الأخير.

فأعطى مثلاً «أنظر للمنتخب السوري الذي يمتلك مهاجمَين من الأفضل على مستوى القارة (خريبين والسومة)، فهو لم يحصد سوى نقطة وحيدة! أما لبنان فهو بأقل الإمكانيات وفي أصعب الظروف كان قاب قوسين أو أدنى من بلوغ ثمن النهائي».

في المقابل لفت مسؤول بعثة منتخب لبنان في البطولة وائل شهيّب إلى «أننا لا يمكننا وضعُ الحجج على ما سبق، فرادولوفيتش وافق على الذهاب إلى البحرين قبل العودة إلى بيروت لخوض بضعة أيام تمارين ثمّ الرحيل إلى الإمارات. كنا سنواجه قطر، وليس منطقياً أن نخوض معسكراً في بلد سنلعب ضده. بالإضافة لذلك لم نفرض نحن عدد الأيام في معسكر البحرين، لأنّ هذه هي المدة التي وفّرها لنا الإتحاد البحريني، فعدنا وتمرّن اللاعبون بظروف صعبة ولم يصَب أحد».

«خرجنا في المباراة الافتتاحية»
وشدّد المونتنغري على الأخطاء التحيكيمة ضدّ قطر، «قدّمنا أداءً طيّباً، ولم نخرج من البطولة بعد الفوز في المباراة الأخيرة على كوريا الشمالية، إنما اُقصينا في المباراة الإفتتاحية»، مصوِّباً أصابع الإتهام نحو الحكم الصيني ما نينغ الذي «ألغى هدف علي حمام الصحيح برأي جميع الخبراء والمحلّلين»، قبل أن يحتسب ركلة حرة مباشرة «غير صحيحة أُنذر على أثرها حسن معتوق».

وأضاف «الفريق القطري نجح بالتسجيل في المباراة بعد 65 دقيقة لعب، ومن أوّل تسديدة أصابوا بها المرمى. هل بإمكان أحد تخيّل مجريات المباراة لو أننا كنا متقدّمين 1-0 آنذاك؟ ستكون تلك مباراة أخرى، لقد كانوا محظوظين».

التبديلات والمشكلات البدنية
وقال إنه استبدل الأخوين فليكس جورج وروبرت ألكسندر ملكي بعد التأخّر بالهدف القطري الأوّل لأنهما يلعبان بأسلوبٍ دفاعيّ وما يزالان جديدين على الفريق، «لقد أردتُ معادلة النتيجة والفوز أيضاً».

وأكّد أنه لم يُشرك ربيع عطايا منذ البداية لأنّ اللاعب كان مصاباً منذ معسكر البحرين، «لم أقم بأيِّ خطأ في التشكيلة التي واجهت كوريا الشمالية، بالعكس لقد سجّلنا 4 أهداف، وأهدرنا 16 تسديدة غالبيتها كانت فرصاً محقّقة للتسجيل. في الوقت الذي كنا نستقبل الأهداف في المباريات الثلاث خلال البطولة من أول تسديدة في كلّ مباراة، لم يحالفنا الحظّ في ذلك».

وشدّد على ثقته بالحارس مهدي خليل وأدائه الكبير، «إنه الأفضل في مركزه في لبنان بلا منازع، لم أستطع القيام بالمداورة وإشراك حرّاس مرمى آخرين، لأنّ مصطفى مطر وعباس حسن وصلا من نادييهما إلى معسكرَي أستراليا والبحرين مصابَين، وشارك الأخير في 45 دقيقة من مواجهة الكويت الودّية (خسر لبنان 1-0 من ركلة حرة سجّلت على عباس حسن)، لكنّ الفارق ظهر بين خليل وحسن، إنما مطر لا يمتلك بعد الخبرة الدولية. فأنا لا ألوم لاعبيّ أبداً».

أشار المدرب إلى أنّ الفريق لم يستعدّ بدنيّاً سوى لبضعة أيام، والسبب يكمن بعودة الفريق إلى لبنان لخمسة أيام قبل السفر إلى الإمارات، «أعتقد أنّ الفريق قويٌّ بدنياً، كنا جيّدين رغم انخفاض المستوى البدني للاعبين في الدقائق الأخيرة من المباراتين الأوليين»، مصوِّباً إلى تراجع الفريق للدفاع وأنّ ذلك يُتعب الفريق المدافع أكثر من المهاجم. ففي المباراة الثانية خسرنا بسبب إضاعتنا لفرصتين كادتا تغيّران مجريات اللقاء تماماً، الأولى من رأسية جوان الأومري والثانية من محاولة فليكس جورج ملكي التي كاد يخطفها إثر ركلة حرة.

قضيّة جرادي
عبّر رادولوفيتش عن استيائه ممّا حدث بقضية باسل جرادي، مصوِّباً إلى أنه أعاده إلى صفوف الفريق على الرغم من عدم خوضه أيَّ مباراة في التصفيات «لقد تأهّل الفريق من دونه، وهو لم يسجّل خلال 6 أشهر أيَّ هدف مع فريقه الكرواتي، أنا استدعيته لأقوم ببعض الإضافة الهجومية في الفريق. لم يقبل الجلوس على مقاعد الإحتياط ضدّ السعودية، وغادر الفريق، لقد خرق القواعد. لم أعد أريد الحديث عن ذلك، فقد أُقفل الملف».

وأكّد رادولوفيتش أنّ صانع ألعاب نادي هايدوك سبليت لم يحترم القانون خلال تواجدهم في أستراليا والبحرين والإمارات، «وقد خرج مراراً من الفندق، دون أيِّ مبالاة بما يحدث، ما أثار حفيظة بعض اللاعبين الذين شهدوا على سلوكه في المعسكرات الثلاثة، وبإمكانكم سؤالهم. إنه لا يستحقّ أن نتكلم عنه. مَن هو جرادي؟».

المنتخبُ الأولمبي
وفي الوقت الذي يستعدّ لبنان لتشكيل المنتخب الأولمبي (تحت 23 سنة) لخوض تصفيات أولمبياد طوكيو 2020 وبطولة آسيا تحت 23 سنة في شهر نيسان المقبل، قال رادولوفيتش «سينتهي عقدي في الأول من أيار، وحتى ذلك الوقت سأكون مشرِفاً على المنتخب الأولمبي، مساعدي ميليتش كوروك سيتولّى الإدارة الفنّية للمنتخب، وسيساعده محمد الدقة وسرديان كليايفيتش، وسيعملون حسب البرنامج الذي وضعتُه. لقد أقمنا معسكراً منذ أكثر من سنة ونعرف معظم اللاعبين، لن يتعدّى عدد لاعبي الدرجة الأولى في هذا الفريق الأربعة، لقد اتصلنا بكلّ الذين نريدهم أن يلتحقوا بالفريق».

هل يبقى أم يرحل؟
وأكّد أنّ عند عودته من إجازته بعد حوالى أسبوعين، سيقابل رئيس الإتحاد اللبناني وأعضاء اللجنة التنفيذية لاتّخاذ القرار بالبقاء أم لا. مبدياً فخرَه بما حقّقه من أرقام هامة، من ناحية التقدّم على جدول الترتيب الشهري الذي تُصدره الفيفا (81)، وسلسلة المباريات «بلا هزيمة، لقد وضعتُ لبنان على خريطة الكرة (بين المئة الأوائل) بعد 20 سنة» (16).

وأكّد أنه في حال بقائه على رأس الإدارة الفنّية في المنتخب سيكون الفريق جاهزاً بعددٍ من اللاعبين الشبّان والكفوئين لخوض غمار تصفيات كأس العالم قطر 2022.

وتابع «لا يمكنني تفهّمُ ما يقوله الناس. ليس لدى المنتخب ملعبٌ للتمرين، والدوري المحليّ لا يتواجد ضمن الأفضل أو حتى في المنطقة الوسطية على الساحة الآسيوية، على عكس ما يحدث في المنتخب الذي يُعتبر حالياً من بين أكبر منتخبات آسيا لهذا يجب أن يكونوا فخورين بما قدّمه الفريق، فالنتائج والأرقام تُظهر ما فعلتُه في المنتخب، وأنا فخورٌ بلاعبيّ الذين قدموا أقصى ما لديهم وبثقة الاتحاد».

وأشار إلى مدى تواجد فروقات شاسعة بين الكرة اللبنانية والأندية المحلية العربية والآسيوية، بالتطرّق لمباراة النجمة والأهلي المصري في بيروت ضمن البطولة العربية للأندية الأبطال، حيث تفوّق المصريّون نتيجةً وأداءً وفي كلّ شيء، فأقل شيء هو تواجد الملاعب، الأحذية والكُرات، وعلى الجميع أن يعلم مدى صعوبة الظروف التي تلعب فيها كرة القدم اللبنانية.