يغيّر رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل ويبدّل في مقترحاته الاحادية والثنائية والثلاثية والرباعية والخماسية، وربما السداسية، لحل عقدة تمثيل «اللقاء التشاوري» في الحكومة العتيدة. ولكنه لا يتخلى في اي من هذه المقترحات عن تمسّكه بأن يكون لتياره البرتقالي ولرئيس الجمهورية «الثلث المعطّل» في اي تشكيلة وزارية مهما كان حجمها.
 

في كل المقترحات التي قدّمها ياسيل حتى الآن، سواء بصفته وسيطاً، او بتكليف رئاسي، حرص على ان يبقى له بما يمثل «الثلث المعطل»، مبرراً هذا الامر بأسباب تخالف أحكام «إتفاق الطائف» والدستور الذي انبثق منها، وتنسف المعايير الموحّدة التي يُفترض اعتمادها في تمثيل القوى السياسية والطوائف في الحكومة، إرتكازاً الى نتائج الانتخابات النيابية التي جرت على اساس النظام الانتخابي النسبي.

ويُجمع كثيرون على انّ غاية باسيل من الاستحواذ على «الثلث الوزاري المعطل» هو استخدامه ورقة في معركته للوصول الى سدّة رئاسة الجمهورية، التي تستحق في خريف 2022 والتي افتتحها من الآن، الامر الذي ينفيه هو علناً ولكنه يعمل له سراً، ساعياً الى الحصول على دعم من هذا الفريق وضمانات مُسبقة من ذاك داخلياً وخارجياً. فترشحه لرئاسة الجمهورية حاضر معه في المناسبات، ولا يُهمل اي تفصيل يعتقد انه يدعم هذا الترشيح. 

وإذا كان كثيرون لا يناقشون باسيل حقه في الترشح لرئاسة الجمهورية كغيره من الطامحين للوصول الى سدّة الرئاسة الاولى، لكنهم يأخذون عليه، وكذلك على بعض المرشحين الآخرين ايضاً، تبكيرهم في فتح هذا الملف باكراً جداً، حيث سيتسبب هذا الامر في جعل الحكومة العتيدة، في أي وقت ستؤلّف فيه، «حكومة تصريف أعمال» لن تكون احسن حالاً من حكومة تصريف الاعمال الحالية. 

آخر «إبتكارات» باسيل في سعيه للاستحواذ على «الثلث المعطل» في الحكومة، ادعاؤه انّ الطائفة المارونية أُعطيَت بموجب المناقشات في مؤتمرالنواب في مدينة الطائف عام 1989 ووثيقة الوفاق الوطني التي انتهى المؤتمرون اليها، «الثلث الوزاري المعطل» في الحكومات، تعويضاً لها عن الصلاحيات التنفيذية التي أُخذت من رئيس الجمهورية الماروني وأنيطت بمجلس الوزراء الذي جعله «الطائف» السلطة التنفيذية الجامعة على ان تتمثل فيه شتى فئات الشعب.

غير انّ «اتفاق الطائف» بنصوصه او بمحاضر جلسات مؤتمر النواب او «لجنة العتالة» التي صاغته، والتي تضمنت المداخلات والمناقشات، لم يتضمن اي نص يقول بـ «ثلث معطل» للطائفة المارونية او لغيرها من الطوائف المسيحية والاسلامية ولا حتى لأي مذهب من المذاهب.

وعندما ارتأى المؤتمرون في الطائف نقل الصلاحيات التنفيذية من رئيس الجمهورية الى مجلس الوزراء، كانت الغاية نقل هذه الصلاحيات التي يتفرّد بها الرئيس وإناطتها بمجلس الوزراء، الذي تقرّر أن تناط السلطة التنفيذية به، بحيث تتمثل فيه كل المكونات اللبنانية السياسية والطائفية والمذهبية، وليس في يد رئيس مجلس الوزراء كما يحاول البعض ان يوحي أحياناً وفي بعض المراحل، بحيث يمارس هذا المجلس مجتمعاً السلطة التنفيذية ويتخذ قراراته بالتوافق او بالتصويت بالاكثرية المطلقة على القرارات العادية، وبأكثرية الثلثين على القرارات المصيرية ولا يصوّت رئيس الجمهورية في الحالتين، إذ يخوّله الدستور ترؤس جلسات المجلس عندما يشاء من دون ان يكون له حق التصويت على القرارات التي تُتخذ فيها، كون الدستور جعله حَكمَاً بين الجميع، وجعله « رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن والقائد الاعلى للقوات المسلحة الخاضعة لسلطة مجلس الوزراء»، وفي هذه الحال نزّهه عن ان يكون طرفاً في اي خلاف بين الجميع وجعله حكماً يلجأ اليه الجميع عند اختلافهم.

ويقول احد «الطائفيين» (نسبة الى الذين صاغوا «اتفاق الطائف») انه «لا يمكن ان يُنسَب الى «الطائف» أي توجّه او تفصيل او مقاربة إلاّ ما ورد تحديداً في نص «وثيقة الوفاق الوطني» وفي التعديلات الدستورية التي أُجريت بموجب هذه الوثيقة، وكل ما عدا ذلك ليس من قبيل الاجتهاد، بل من قبيل الافتراء والاختلاق». ويضيف: «لا شيء حصل في مؤتمر الطائف وتمّ الإتفاق عليه إلاّ وهو موجود في وثيقة الوفاق الوطني وفي التعديلات الدستورية التي أقرّت في ضوئها».

في معرض الحديث عن «الثلث المعطل» يقول هذا «الطائفي» الذي شارك عملياً ضمن «لجنة العتالة» في صوغ «إتفاق الطائف»، ومن ثم في وضع التعديلات الدستورية، أن «ليس هناك ثلث معطل في «اتفاق الطائف» وفي التعديلات الدستورية التي انبثقت منه، ولكن هناك ثلثين ضامنين: الاول اشتراط توافر نصاب الثلثين لانعقاد جلسات مجلس الوزراء. والثاني اشتراط تصويت اكثرية الثلثين على القرارات في القضايا الاساسية والمصيرية، وقد أُريد من هذين الثلثين الضامنين، ضمان وحدة البلد والمشاركة الشاملة في القرار الوطني، لأنه كان يُعتمد سابقاً اكثرية النصف زائد واحد، ولكن بعدما اتفق بموجب «الطائف» على المناصفة بين المسلمين والمسيحيين، صارت هناك خشية من انقسام طائفي ومذهبي، ولذلك ارتؤي حضور أكثرية الثلثين لانعقاد مجلس الوزراء او لاتخاذ القرارات الكبرى، أي تشكيل اكثرية مختلطة تضم الجميع وليس فئة واحدة بعينها.

ولذلك، يكرّر التأكيد انّ ما تقرّر في مؤتمر الطائف، هو جعل هذين «الثلثين الضامنين» شرطاً لانعقاد مجلس الوزراء «تأكيداً لحتمية المشاركة وإلا لا ينعقد».

ويدافع هذا «الطائفي» عن صلاحيات رئيس الجمهورية ويؤكّد انها لم تُنتقص بموجب «الطائف». فعندما نقول انّ رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن وحامي الدستور ويحافظ على سيادة لبنان واستقلاله وعلى الكيان اللبناني نكون اوليناه كل الصلاحيات التي يحتاج اليها لممارسة هذه المهمات.

ولذلك بموجب «الطائف» كان هناك تعزيز لصلاحيات رئيس الجمهورية، لأن «الطائف» جعله المرجع والمقام والرمز وبالتالي، هو يملك الصلاحيات التي تمكّنه من اداء مهماته في هذا الصدد. ومن ذلك صلاحية توجيه رسائل الى مجلس النواب، اذ في امكانه ان يحضر شخصياً الى المجلس ساعة يشاء ويوجّه رسالته اليه مباشرة، وهو في هذه الصلاحية يشبه ملكة بريطانيا التي في امكانها ان تحضر الى مجلس العموم البريطاني متى تشاء وتلقي خطاب العرش امامه. ولذا لدى رئيس الجمهورية الصلاحيات الكافية والوافية ولم ينتقص منها «اتفاق الطائف» بل عززها.