عندما كنا صغاراً كانت والدتي تخيفنا بـ"الكركدن" القابع في خابية، يستوطن السقيفة "التتخيتة"، وذلك لخوفها علينا من تسلق السلم الخشبي وغزو هذا المكان السحري من بيتنا ذي العمارة التراثية.

لكننا كنا نغافلها ونتسلق السلم ونغزو السقيفة لنلعب ونقع ونثقب رؤوسنا ونكسر عظامنا ونستمتع، ونرتجف خوفاً عندما نقترب بحذر من الخابية متوجسين من انقضاض وحشها علينا وافتراسنا.

كبرنا وعلمنا ان "الكركدن" هو وحيد القرن ولا يمكن ان يكون في الخابية التي كانت الوالدة تودع بحرص مؤونة الزيت في عتمتها، ولا يمكنه حتى أن يقترب من بيتنا، وان الزيت كان أغنى المقتنيات الغذائية في نظر أمي، تمنع تعرضه للنور وتلفّ الخابية بغطاء قاتم سميك لتحمي طعمه ولونه، وتستبق مغامراتنا المرتقبة التي قد تؤدي الى كسر الخابية، فلتجأ الى تخويفنا بأسطورة عن كائنٍ، رنين اسمه كفيل بتشغيل مخيلتنا.

لا يختلف أسلوب فطاحل محور الممانعة عن أسلوب أمي، أطال الله عمرها، في تخويف اللبنانيين من "الكركدن" الذي سيحرمهم "المنّ والسلوى" ويرميهم في غياهب الفقر والإفلاس، إن هم تجاسروا ولعبوا قرب النظام الأسدي القابع في عتمة خابيته الإيرانية بحماية الغطاء الروسي السميك.

لكن الفطاحل يعلمون ان لا زيت في خابية النظام، فهي لا تحوي إلاّ خلاًّ فاسداً انتهت صلاحية استهلاكه، وأصبح سمّاً خالصاً يسمّم من يستنشقه. مع هذا، يريدون للبنان ان يشكل رافعة لإخراجه من ظلمة عجزه وتحويله بطلاً أسطورياً بيده انقاذ اقتصادنا المهترئ. ولا يتورعون عن جعل لبنان خابية ومنصة ورافعة لإعادة تعويم المسخ العاجز. وإلاّ لا خلاص لنا. ويتحول الفطاحل لتنفيذ هذا الامر الى سماسرة مروّجين لهذا النظام "المنتصر" على شعبه.

أكثر من ذلك، يستفيضون في التسوّل جراء معاناتهم نتيجة اللجوء السوري، متجاهلين مسببات هذا اللجوء والخطط المدروسة لفتح الحدود أمام عشوائيته وعدم تنظيمه، سواء لإفراغ سوريا من نصف شعبها او لتحويل لبنان بؤرة متفجرة عندما تستدعي حاجة محور الممانعة إلى ذلك. الانكى، تلك المطالبة بعودة اللاجئين الى المناطق المحيطة بلبنان التي "تحررت" من ناسها، ويتجاهلون واقع ان هذه المناطق خضعت لجريمة التغيير الديموغرافي الموصوفة والقائمة على منع هؤلاء النازحين من العودة، ودعوة فقراء بعلبك والهرمل وسائر مناطق البقاع للانتقال الى المناطق المحررة، وتحويل مساجد الى حسينيات لمزيد من تسهيل إقامة المستوطنات الأحادية المذهب بحيث يصبح السكان السوريون الأصليون أقلية تشبه الهنود الحمر.

مع هذا، يجب على لبنان ان ينقل الخابية الى أرضه المفترض انها المكان الصالح والمناسب لتثبيت منصة إعادة اعمار سوريا لكن بشروط القائمين على النظام العاجز، وتصوير الحاجة الى لبنان لأداء هذه المهمة، وكأنه حاجة لبنانية تستعطف النظام العاجز ليمنحها مجد مساعدته، وبتعالٍ وفوقية يتناقضان مع واقع المحتاج بفضل مساعي فطاحل الممانعة الى اطلاقه وتصويره مارداً له الحق الشرعي ليتحكم بالمنصة التي يزدريها حتى وهو يتعفن في الخابية.

لأجل هذه الغاية، كان التشاطر عبر استخدام القمة العربية التنموية الاقتصادية لفرض بنود ومقررات على طريقة التهريب والإحراج للوفود العربية المشاركة، وكأن منصة القمة فرصة ليقدّم صاحب الطموح الرئاسي أوراق اعتماده الى محور الممانعة، ويؤدي المطلوب منه، ما يؤشر الى ان كل المناوشات التي جرت قبيل انعقاد القمة كانت تهدف الى ما نتج منها، لجهة أجواء تهريب ما ليس على جدول الاعمال، وتحجيم نوعية الحضور بغية التفرد بالمنصة وتسجيل القنابل الصوتية المطلوبة.

بنتيجة المناورات والبهلوانيات تحولت البنود الرئيسية في أعمال القمة الى ترويج لإعادة سوريا الى "الحضن العربي" والمتاجرة بملف اللاجئين السوريين وعودتهم الى بلادهم، التي لا يحول دونها الا رفض النظام ومَن يشغله هذه العودة، سواء بالغيير الديموغرافي القائم على قدم وساق او بالقرار رقم 10 الذي يحرم السوريين أملاكهم او مواصلة الاعتقالات والتجنيد وما يبقى أعظم.

الترويج المعتمد والمتعمد للشطارة اللبنانية يرمي الكرامة والسيادة والمصلحة الوطنية جانباً للحس الإصبع في مكاسب إعادة الإعمار الموعودة، وإن عبر مزيد من الانبطاح بحجج لا قوام لها الا كلام السماسرة المبتذل، والتركيز على تخويف اللبنانيين من الكركدن والخابية والسقيفة، وايهامهم بأن درب الخلاص يتطلب المزيد من الانصياع والخضوع للمحور الإيراني وأذرعه.