ثمّة، لبنانياً، من عمل على إنجاح القمة الاقتصادية العربية ومن عمل على إفشالها طالما ان النظام السوري ما زال مستبعداً عن العمل العربي المشترك، وحجة هذا الفريق انه ما حاجة العمل العربي المشترك، في الاقتصاد، ان لم تقرن بالعمل على إعادة إعمار سوريا، وما تكون بوابة إعادة الإعمار ان لم تعنِ إعادة تبييض صفحة النظام السوري وإعادة إدماجه في "العروبة الرسمية".

طبعاً، لم تُسَق هذه المحاججة بقصد إثارة نقاش حولها، ينطلق في بعده الداخلي من مصلحة لبنان الاقتصادية، من الترابط الثلاثي بين عودة اللاجئين والنازحين السوريين الى بلدهم بشكل آمن وحرّ، وإعادة إعمار سوريا، وإعادة فتح الباب للأفق السياسي لشكل الدولة وطبيعة النظام فيها، ذلك ان تغلّب النظام وحلفائه من فوق ومن تحت، في حرب أهلية وتدخلية اقليمية فيها على الآخرين بات أمراً واقعاً، سواء عنينا أنسجة أهلية منتفضة، أو فصائل مسلّحة لم تنهض بمعظمها الى ما يشبه نموذج حركات التحرر الوطني، بل أظهرت تناقضات متفاوتة في ما بينها مع الشكل الديموقراطي الاوّلي لحركة الثورة السورية في سنتها الاولى. لكن هذا التغلّب في الحرب الاهلية - التدخلية شيء، والانتقال الى إيقاف حرب النظام على المجتمع شيء آخر.

السلم الاهلي في سوريا يعني إيقاف هذه الحرب بالتحديد، لكن هذا مستحيل من دون تفكيك عدّة حرب النظام على المجتمع التي هي النظام نفسه، فإذا كان مثل هذا الأمر ممتنعاً امتنع معه كل شيء آخر. وامتنع معه اي كلام منهجي حول مشاريع إعادة الإعمار. هل يمكن إعادة إعمار سوريا في ظل استمرار هذا النظام، ومن دون اي مداخل لحل سياسي من شأنه إحداث اي تعديل في اي مفصل من مفاصله، او اي وجه من وجوهه؟ هل يمكن الشروع بإعادة إعمار تقتصر على الدول المناوئة او المنافسة للغرب وللمجموعة العربية، سواء بسواء؟

ليس هذا باستحالة طبعاً، وهو حاصل في قطاعات عديدة حالياً، لكن له حدوده، كما ان الدول التي تنخرط فيه ليست في وضع مريح اقتصادياً، او ليست تجد مصلحة وآفاقاً لمستثمريها في سوريا تقارن بمصلحتها في إنجاد النظام السوري حربياً وسياسياً في السنوات الماضية، زد على ذلك ان هذه الاطراف قبل سواها تدرك جيداً ان اي تخفيض من منسوب المواكبة الايرانية والروسية للنظام السوري من شأنه ان يخلط الاوراق مجدداً، وبشكل نوعي، في الداخل السوري، مثلما انه، وحتى في ظل هذه المواكبة، بات النظام في الفترة الحالية، امام ضغوط وأعباء مطالب الناس، وبالأخص الشرائح التي لم تدخل في تناقض متفجر معه، بل والقسم الذي انحاز اليه بشكل او بآخر في اثناء الحرب، لكنه الآن يفصح خصوصاً عن مكنون الطبقات الوسطية المأزومة في مجتمع تتراجع فيه مشهدية الحرب الاهلية، من دون ان يحل فيه بعد اي شكل للسلام الاهلي، الذي يعني، في الوضع السوري، قبل كل شيء، وقف حرب النظام على المجتمع، هذه الحرب التي تترجم معسكرات اعتقال، وملايين اللاجئين، وسياسات فئوية غدت نافرة كثيراً في سنوات الحرب، والاستعانة ليس فقط بجيوش اجنبية، بل بميليشيات أجنبية.

ظهرت في الآونة الاخيرة مؤشرات لإعادة سوريا / النظام الى النظام العربي الرسمي، لكن ظهر بعدها ان هذه المؤشرات تستولد نقائضها. حالياً، وفي الامد المنظور حتى، ليس هناك إعادة له كنظام، بل قد نكون متّجهين الى نصف او ربع إعادة. ايضاً، لان الاميركيين عبّروا عن موقف سلبي تجاه الموضوع. لكن، قبل اي شيء آخر، لان إعادة النظام وإعادة الإعمار وإعادة السير بالحل السياسي، هي ثلاثية، بما في ذلك في التصورات الروسية المعبّر عنها حول سوريا. وحده النظام، والايرانيون، من يسعى الى اختزالها في ثنائية، عودة النظام عربياً وإعادة الإعمار.