راحت سكرة القمة العربية مقرراتها وحضورها الرئاسي شبه المعدوم، وجاءت فكرة الخلافات اللبنانية ودخول عملية تأليف الحكومة شهرها التاسع، حيث من المفترض أن يعود الفرقاء السياسيين اليوم الى نصب المتاريس لتصفية حسابات التحضير للقمة، ولإستئناف التجاذبات حول ″الثلث الحكومي المعطل″ الذي يسعى التيار الوطني الحر للحصول عليه مع حصة رئيس الجمهورية
 

في الشكل نجحت القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية، فقد حضرت كل الوفود العربية باستثناء ليبيا على خلفية قضية الامام موسى الصدر وسوريا التي ما يزال قرار عودتها الى الحضن العربي معلقا في الجامعة العربية، وأثبت لبنان رغم كل ما يعانيه من صراعات وتجاذبات أنه دولة قادرة على حسن التنظيم والاستقبال، أما في المضمون فقد أدى غياب الحكام والقادة العرب الى إضعاف قمة بيروت، بالرغم من حضور الرئيس الموريتاني، وأمير قطر الذي أنعشت مشاركته المفاجئة جلسة الافتتاح، في حين جاءت مقرراتها فضفاضة على كل صعيد، كونها ترتبط بشكل مباشر باستقرار أمني ما يزال غير متوفر في سوريا لجهة عودة النازحين، وبتوترات عربية سياسية وأمنية داخلية ومشتركة، ما يجعلها مقررات غير قابلة للترجمة أو التنفيذ أقله في الوقت الراهن.

أسدل الستار على القمة العربية في بيروت بكل ما لها وما عليها، وعادت الأنظار لتتجه الى الداخل اللبناني لمعالجة التداعيات التي تركتها في الساحة السياسية، وللبحث في مصير الحكومة العتيدة، خصوصا أن النجاح الشكلي للقمة وإكرام لبنان لوفادة ضيوفه العرب، من المفترض أن يشكل حافزا لدى الجميع لتسهيل عملية التأليف والخروج بحكومة تسارع الى إعاد الأمور الى نصابها داخليا وإقليميا ودوليا.

لكن ماذا بعد القمة العربية؟

تشير المعطيات الى أن الندوب السياسية التي أوجدها التحضير للقمة ستضاف الى الأزمات الداخلية، وهي ربما تزيد من العصي في دواليب قطار التأليف، خصوصا أن لبنان بات يحتاج الى قمة ثانية تساعد على إعادة فتح الطرقات المغلقة بين مقرات المراجع السياسية، من بعبدا الى عين التينة، ومن عين التينة الى بيت الوسط، ومن بيت الوسط الى معراب، ومن معراب الى الرابية، ومن الرابية الى بنشعي، فضلا عن إيجاد حل لأزمة الثلث المعطل الذي تؤكد المعلومات الى أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ومعه الوزير جبران باسيل سيكونا أشد تمسكا به، رغم معارضة حزب الله وحركة أمل وسائر الأطراف، وأن عون سيكون ما بعد القمة العربية ليس كما كان قبلها، حيث سينطلق في مواجهة كل من يحاول إفشال عهده، ومن يسعى الى النيل من ولايته، وهذا الأمر قد يدفعه الى التخلي عن الدور التوافقي الذي كان يلعبه خصوصا بعد إعلان وفاة المبادرة الرئاسية لتمثيل اللقاء التشاوري التي تولى تنفيذ بنودها اللواء عباس إبراهيم.

يقول بعض المطلعين: إن كل الوقائع تشير الى أن لبنان بعد القمة العربية مقبل على توترات سياسية من العيار الثقيل، وهي كانت أطلت برأسها خلال فترة التحضير للحدث العربي، لكن الجميع غضوا النظر عنها لتمريره بهدوء وعدم ضرب سمعة لبنان أكثر فأكثر.

في حين يشير آخرون الى أن الأمور لن تكون سلبية الى حد كبير، خصوصا في ظل الاشارات الايجابية التي شهدتها القمة العربية، سواء بإيفاد الرئيس نبيه بري وزير المال علي حسن خليل للمشاركة مع الوفد اللبناني الذي ترأسه رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، أو بكلام الوزير جبران باسيل الايجابي حول قضية الامام موسى الصدر حيث دعا القيادة الليبية الى القيام بكل واجباتها لجلاء الحقيقة وكشف مصيره، مشددا على أن ″الامام الصدر ليس إمام المسلمين الشيعة بل هو إمام اللبنانيين والعيش المشترك وكل العرب″.    

ويلفت هؤلاء الى أن هذه الايجابيات ربما تخفف من حدة التوترات التي بلغت ذروتها بين الرئيس بري وحزب الله من جهة والرئيس عون والوزير باسيل من جهة ثانية، وهي من المفترض أن يُبنى عليها من أجل الوصول الى القواسم المشتركة التي تحمي لبنان من الاتجاه نحو منزلقات لن تكون في مصلحة أحد.

يقول أحد السياسيين: إن على القيادات اللبنانية أن تثبت للجميع أن لا أوامر خارجية بعدم تشكيل الحكومة، وأن تسعى بكل ما لديها من إمكانات لتسهيل عملية الولادة التي دخلت شهرها التاسع، لأن العناد لن ينفع، والبلاد لم تعد تحتمل، والانهيارات باتت وشيكة وهي في حال حصلت ستكون أشبه بحجارة الدومينو..